آخر الأخبار

spot_img

مخاطر الانقسام السياسي والعسكري على سلامة الكيان اليمني

“صحيفة الثوري” – كتابات:

أ.د.محمد أحمد علي المخلافي

     يلعب الانقسام السياسي بين الأحزاب والمكونات السياسية الشريكة في السلطة الشرعية دورًا أساسيًا في ضعف وهشاشة هذه السلطة؛ ولعل ذلك يرجع إلى عدم التوافق على رؤية موحدة للقضية الجنوبية والاتفاق على إطار خاص بها كما حدث في مؤتمر الحوار الوطني الشامل لكي يطرح كموقف موحد في أية عملية سلام قادمة، وفقدان الثقة في العمل المشترك بفعل حرب 1994م ونتائجها وآثارها.

ولإزالة هذه الأسباب واستعادة الثقة واللحمة الوطنية بين الأحزاب والقوى السياسية ينبغي التوافق على إطار خاص للقضية الجنوبية متفق عليه، والاعتذار عن الحرب من قبل الأحزاب المشاركة فيها سواء كمسؤولة عن السلطات التي خاضت الحرب أو مشاركتها في الحرب. وبقاء هذه الأسباب مستمرة جعل السلطة الشرعية غير قادرة على استثمار ما توفر لها من ظروف الدعم الدولي والداخلي للقضاء على الانقلاب واستعادة الدولة. ولم يحقق اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة وتشكيل هيئة التشاور والمصالحة إنهاء الانقسام السياسي على الرغم من صيرورة القوى السياسية المتصارعة في ائتلاف سلطة وشركاء في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، ولم يستطع مجلس القيادة الرئاسي والحكومة من تقديم نموذج جاذب في المناطق المحررة، بل استمر ضعف وهشاشة السلطة الشرعية وغياب فاعلية الدولة ومؤسساتها، ولم تساعد محاولة إنهاء الانقسام باتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة في استعادة وتحسن مستوى الخدمات والتخفيف من معاناة المواطنين؛ لأن الانقسام بين الأحزاب والمكونات السياسية ظل قائمًا، وأعيقت جهود هيئة التشاور والمصالحة بفعل عدم قبول أحزاب ومكونات سياسية بالمصالحة، وأنعكس ذلك على أداء السلطة الشرعية بل وأدى إلى غياب وحدة القرار في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة، وصارت مهام الحكومة وصلاحياتها تمارسها مكونات سياسية في مناطق سيطرتها وبصورة علنية، وترتب على هذا الانقسام عدم القدرة على ترتيب أولويات الحكومة، وتغييب هيئات الدولة التي هي مصدر قوة للسلطة الشرعية مثل مجلس النواب ومجلس الشورى، وعدم استقرار هيئات الدولة ومؤسساتها ومسؤوليها في العاصمة المؤقتة عدن وأداء وظائفهم وأعمالهم فيها، وبالتالي، انتشار ظواهر الفساد وغياب الرقابة على أجهزة الدولة، وبهذه الحالة تهدر السلطة الشرعية أهم مقومات قوتها، وهي هيئات الدولة التشريعية والتنفيذية التي تستمد منها شرعيتها. والغريب أن شركاء السلطة الشرعية، وبالأصح البعض منهم، يسعون باستمرار إلى المزيد من الحصول على المواقع في السلطة وفي ذات الوقت يقوضون عملها كسلطة قانونية، ولعل هذا الخطر يتطلب استئناف الحوار من جديد.

مظاهر الانقسام:

الإعلام:

يمثل إعلام الأحزاب والمكونات المتصارعة مصدرًا رئيسيًا لتغذية الصراع، إذ تشهد قوى الشرعية حربًا إعلامية بينية وتركز على توجيه الإعلام ضد بعضها أكثر من مقاومة العدو المشترك وإعلامه والمتمثل في الحوثي وإيران، وبالتالي، أدت الفوضى الإعلامية إلى تعميم اتهامات الفساد، وتحميل الأطراف لبعضها سبب عدم توفير الأمن والخدمات، واختلاق وقائع يلصقها كل طرف بالطرف الآخر، وأمتد الأمر إلى الحديث عن السلطة الشرعية كخصم ومن قبل مكونات تشارك في رئاسة الدولة والحكومة وهيئة التشاور والمصالحة، وهو الأمر الذي أدى إلى تكريس انطباع عام بأن السلطة الشرعية موسومة بالفساد وعاجزة بالمطلق، وترتب على ذلك تعميق الانقسام وتفتيت المواقف وإلحاق أضرار كثيرة بالسلطة الشرعية والقوى السياسية المكونة لها، ومن ذلك:

تكرس انطباع في الداخل والخارج أن السلطة الشرعية قد وصلت إلى مرحلة الفشل ولا يعول عليها.

  1. إيجاد انطباع يتكرس باستمرار في الداخل والخارج أن مقاومة الحوثي غير مجدية لأنه لا توجد قوى وطنية موحدة يستند إليها.
  2. وبفعل ما سبق تلجأ القبائل والمحافظات إلى عصبيات ما قبل الدولة وتشكيل مجالس تحتمي بها بدلًا عن سلطة الدولة، بل ويفعل هذا شركاء في السلطة الشرعية.

الانقسام جغرافيًا وفي الموالاة:

  1. استمرار الانقسام على أسس جغرافية بين قوى السلطة الشرعية والدعوة للكراهية على هذا الأساس على الرغم من التوافق الذي نتج عنه اتفاق الرياض وتشكيل حكومة مشتركة ومجلس قيادة رئاسي مشترك وهيئة التشاور والمصالحة، ويرجع هذا الأمر إلى استمرار أطراف الشرعية بالتمسك بالمناطق التي تسيطر عليها كسلطات أمر واقع صار يتحدث عنها المواطن العادي كل يوم ويطالب بعودة الدولة.
  2. على الرغم من أن اتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة قد أوجب دمج التشكيلات العسكرية والأمنية في وزارتي الدفاع والداخلية حيث كلفت اللجنة العسكرية والأمنية العليا بإعداد لائحة تنظيمية لوزارة الدفاع وأخرى لوزارة الداخلية وأجهزة الأمن المختلفة، وأنجزت اللجنة مهمتها قبل أكثر من عامين، غير أن هيكلة القوات العسكرية والأمنية لم يتحقق ولم يصدر رئيس مجلس الرئاسة اللائحتين بسبب تمسك الأحزاب والمكونات السياسية بالتشكيلات التي تتبعها والاستمرار في السيطرة على المناطق الخاضعة لتلك التشكيلات وموارد الدولة فيها. وهذه حالة تعد مصدرًا للتنافس غير المشروع وتفتيت وحدة صف قوى الشرعية وتبعثر سلطاتها.
  3. توزع ولاءات أحزاب ومكونات سياسية شركاء في السلطة الشرعية بين دول التحالف العربي الداعم للشرعية دون اعتبار للمصالح الوطنية ودون محددات تمنع انعكاس الخلافات بين هذه الدول على العلاقة بين الأحزاب والمكونات السياسية ومجلس القيادة الرئاسي والحكومة وهيئة التشاور والمصالحة.

إن استمرار الانقسام لا يترتب عليه مخاطر وجودية على السلطة الشرعية فحسب، بل ومخاطر مباشرة على الأحزاب والمكونات السياسية ذاتها، ومن ذلك:

  1. تمر اليمن بحالة سياسية تخلو من إرادة وطنية جامعة وواضحة وفاعلة، وتنعدم فيها العناصر الضاغطة أو القادرة على خلق زخم سياسي، إذ أن الانقسام قد أدى إلى أن تكون الأحزاب والمكونات السياسية المختلفة ضعيفة وهشة وغير قادرة على الفعل على الساحة الوطنية بأكملها، وجعل الأحزاب الرئيسية مرغمة على مراعاة الأوضاع السياسية وغض الطرف عن الانقسامات التي تسود البلاد، ومن ثم صارت الحركة الحزبية والسياسية مشلولة ومعزولة عن الواقع المجتمعي، وأصبحت هذه الأحزاب تتجاهل الخطاب السياسي الضار المثقل بالمذهبية والشطرية والمناطقية، وهو خطاب مدعوم اقليميًا بإمكانيات إعلامية ومالية ضخمة، وصارت الأحزاب والمكونات السياسية محاصرة من قبل القوى والتيارات السياسية والعسكرية والتي ترى الحزبية خطرًا على مشروعاتها الخاصة، ومن ثم عدم السماح للأحزاب للعمل بحرية في المناطق التي تسيطر عليها تلك القوى، مما أدى إلى عجز الأحزاب والمكونات السياسية في إطار هيئات الدولة التي تجمعها ومن ذلك هيئة التشاور والمصالحة عن تحقيق المصالحة فيما بينها وذلك بسبب ضغوط القوى العسكرية، بما في ذلك، ضغوط أعضاء مجلس القيادة الرئاسي على المكونات التي ينتمون إليها.
  2. إن خلو الحالة السياسية اليمنية الراهنة من الإرادة الوطنية الجامعة قد جعلها تركن إلى المصالح المتصارعة مما أدى إلى استمرار تشرذمها والارتباط بتحالفات خارجية: دول إقليمية لها مصالح جيوسياسية في اليمن، مما يجعل من القوى المرتبطة بالخارج مجرد مجموعات تقوم بدور وظيفي في سياقات المصالح الجيوسياسية مقابل دعمها لقوى عسكرية لكي تحل محل الأحزاب الأخرى، وصار قياس ميزان القوة لهذا الحزب أو المكون السياسي أو ذاك بما يمتلكه من قوى عسكرية وما يناله من دعم من تحالفاته الخارجية، وبالتالي وبالمحصلة النهائية ووفقًا للتركيبة الداخلية والتحالفات الخارجية لا يتوفر لأي حزب أو مكون سياسي أو عسكري بيئة وطنية حاضنة أو دعمًا وطنيًا شاملًا بفعل انقسام هذه القوى السياسية والعسكرية والعمل ضد بعضها والمنافسة على الاستقطابات المناطقية والمذهبية والأيديولوجية، مما جعلها مجرد سلطات أمر واقع تتعدد في جغرافية اليمن وتزاحم السلطة الشرعية من داخل صفوفها على سلطات الدولة ورمزية سيادتها، وأصبحت الأحزاب والمكونات السياسية والعسكرية غير قادرة على تحقيق النصر في ميدان القتال وتحقيق استعادة الدولة، ومن ثم لم يعد بالإمكان التحكم بنتائج الحرب أو وقفها والتوجه بخطوات نحو السلام إلا مما يفرضه الواقع على الأرض، وهو واقع يجعل المرجعيات الوطنية غير قابلة للتحقق مالم تتبدل موازين القوة السياسية والعسكرية وإدخال تعديلات فعلية عليها بتوحد القوى السياسية وترجيح كفة السلطة الشرعية.
  3. إن الفوضى الإعلامية في صفوف القوى السياسية الداعمة للسلطة الشرعية وضعف الاعلام الحكومي قد جعل إعلام الأحزاب والمكونات السياسية يرتد على السلطة الشرعية ويصوب نحو المزيد من اضعافها، وصارت هيئات الدولة التي تشارك فيها الأحزاب والمكونات السياسية محل سخرية وتندر إعلامها: حكومة ومجلس قيادة رئاسي ومجلسي النواب والشورى وهيئة التشاور والمصالحة…إلخ.
  4. لقد أدى انقسام القوى السياسية إلى حرمان نفسها وحرمان اليمن من نتائج التغييرات والتوافقات السياسية ممثلة في الجوانب الإيجابية لاتفاق الرياض وإعلان نقل السلطة وعطل ما وفرته هاتان الوثيقتان من فرصة سانحة للتوافق والشراكة والتوحد.

عمل الحزب الاشتراكي اليمني وشركاؤه على إنهاء الانقسام السياسي، ولكن الجهود لم تفلح بسبب انقسام مجلس القيادة الرئاسي، وهنا أدعو رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي على العمل على إنهاء الانقسام داخل المجلس.