آخر الأخبار

spot_img

محددات السياسة الخارجية الأمريكية في الصراع الشرق أوسطي

الثوري – كتابات

خلدون أحمد حسن

تخضع السياسة الامريكية تجاه الشرق الأوسط لمحددين: استراتيجي وإيدلوجي. على الصعيد الأول تقيّم أمريكا سياستها تجاه المنطقة بذات المحددات والأبعاد الجيوسياسية والواقعية التي ترسم بها سياستها الخارجية في الأقاليم الأخرى، والمتمثلة بصورة مقتضبة في استيعاب لا سلطوية النظام الدولي والسعي إلى الهيمنة عبر السيطرة على الممرات الاستراتيجية، تثبيت النظام الليبرالي في الإقليم والحيلولة دون صعود قوة إقليمية فيه أو ولوج قوة منافسة إليه.

على الصعيد الأخر، تلعب الإيدلوجيا الصهيونية – اليهودية والمسيحية على حد سواء – دوراً فاعلاً في توجيه السياسة الخارجية للبيت الأبيض تجاه الشرق الأوسط بما يخدم الكيان الصهيوني وبعض النظر أكان ذلك منسجما مع المصالح الاستراتيجية الكبرى للولايات المتحدة أم عكس ذلك. لهذا ظهرت أمريكا بصورة متضاربة ومتقلبة في تعاملها مع تطورات المشهد الشرق الأوسطي. فهي من ناحية تنادي بضرورة التهدئة والحيلولة دون تطور الصراع، لكنها على النقيض من ذلك تستمر بدعم آلة الحرب الإسرائيلية عسكرياً، لوجستياً، وسياسياً.

لاشك أن المصلحة الاستراتيجية لواشنطن تكمن في إيقاف التصعيد وانفجار الوضع الإقليمي، إذ تسهم الحرب الجارية في تشتيت الولايات المتحدة عن الأقاليم أكثر حرجاً، كشرق أوروبا وجنوب شرق آسيا، والتي تشهد نمواً لنفوذ منافسيها اللدودين، روسيا والصين. كما تؤدي المذابح الإسرائيلية بحق المدنيين إلى مساءلة الأسس القيمية للنظام الليبرالي الذي تروج له الولايات المتحدة، والذي ظل خلال العقود التالية للحرب الباردة أحد الأعمدة المؤسسة لهيمنتها الدولية. وتواجه الولايات المتحدة هذه التحديات في خضم مناخ داخلي مشتت بين رئيس غير فاعل وكتل سياسية منقسمة وشارع حائر بين مرشحين غير كفؤين، بما يزيد الطين بلة.

بالرغم من ذلك حرصت الكتل الصهيونية – بما في ذلك الرئيس بايدن البروتستانتي ووزير خارجيته اليهودي بلينكن– على بقاء الدعم اللا مشروط لإسرائيل محدداً ثابتاً في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بغض النظر عن العواقب طويلة المدى. وخلال الأشهر الماضية ظهر العديد من الساسة الأمريكيين وهم يقتبسون علناً وبصورة انتقائية من الكتاب المقدّس نصوصاً عن مباركة الرب لإسرائيل وعن معاركها الدموية ضد خصومها بصورة لا تختلف عن مقاربة وتفسير أي جماعة متطرفة لنص مقدّس. ما يخلق في المحصلة العامة حالة من الفصام والعجز في السياسة الخارجية للبيت الأبيض، تستغلها إسرائيل للمضي قدماً في تعجرفها الإقليمي

أخيراً، في حالة انفجار صراع إقليمي بين تل أبيب وطهران ستجد أمريكا نفسها مضطرة للدخول في صف حليفها الإسرائيلي، هذه المرة بما يخالف أحد أهم الثوابت الاستراتيجية الأمريكية في التعامل مع الصراعات الواسعة. حيث ظلت الولايات المتحدة حريصة على لعب دور الموازن من خارج النظام، فهي تستغل عزلتها الجغرافية للبقاء خارج دائرة الصراع ثم الدخول إليه في اللحظة المناسبة لحسم ميزان القوة لصالح طرف ما، وصناعة نظام ما بعد الحرب، كدخولها في الحربين العالميتين. إلا أنها هذه المرة وفي حالة التصعيد، ستجد نفسها متورطة في الصراع منذ البداية ودون القدرة على التكهن بحالة ميزان القوة بين أطراف الصراع.