إدنبرة – “صحيفة الثوري”:
يفتتح مهرجان إدنبرة الدولي أبوابه هذا العام بين 1 و25 أغسطس، ليقدّم أكثر من 3,000 عرض من شتى بقاع العالم، في احتفال ثقافي لا مثيل له، يحوّل العاصمة الاسكتلندية إلى مسرح حي للفن والتعبير والنقد الاجتماعي. هذه الدورة، وفي ظل عالم مأزوم ومشدود بين الحروب والجوائح وتغير المناخ، يبرز المهرجان كمساحة للخيال والمساءلة والأمل.
مسرح بمذاق المقاومة
بين أبرز العروض المسرحية، يقدّم الممثل القدير براين كوكس عرضًا بعنوان “Make It Happen” من تأليف جيمس غراهام، حيث يلعب دور شبح الاقتصادي آدم سميث في عمل يستدعي أزمة الرأسمالية الحديثة من بوابة انهيار بنك RBS عام 2008، ويطرح أسئلة عميقة حول الأخلاق الاقتصادية في عالم المال.
وتتألق فرقة Handspring الجنوب إفريقية بعرضها الدرامي البصري “فاوست في أفريقيا!” الذي يدمج الدمى العملاقة بالتمثيل البشري، مستعيدة ملحمة فاوست في سياق نقدي لعنف الاستعمار وخطيئة النهب البيئي.
أما العرض البلجيكي التفاعلي “Thanks for Being Here” فيدعو الجمهور ليكون جزءًا من الحدث لا مجرد متفرج، في تجربة تسائل معنى المسرح والمشاركة.
من العروض التي تستحق التوقف أيضًا، عرض المخرج عمر إلريان “Nowhere”، المستلهم من قصة حقيقية عن شاب مصري غادر القاهرة زمن الثورة، في تأمل مسرحي حميم عن المنفى والهُوية والانكسار.
ذاكرة المستعمرات والمُستَضعفين
في مسرح Pleasance Courtyard، يقدَّم عرض “Kanpur: 1857” الذي يعود إلى واحدة من أفظع مجازر الاحتلال البريطاني في الهند، ليعيد سرد المذبحة من منظور الضحايا، بلغة مسرحية مشبعة بالغضب والندم، ومصحوبة بالموسيقى الحية والرقص الشعبي.
وبعرض لا يقل قوة، تقدم فرقة نسائية عملاً بعنوان “المدينة للنساء غير القابلات للشفاء”، وهو تحقيق فني في تاريخ مستشفى Salpêtrière الباريسي، حيث جرى احتجاز آلاف النساء المصنّفات كـ”هستيريات”، في معالجة مسرحية للنظام الأبوي والاستغلال العلمي.
الكوميديا الساخرة… سلاح آخر
بمزج ذكي بين السخرية والفلسفة، تبرز عروض لنجوم الكوميديا الجدد مثل ديزيري بيرش التي تقدّم عرضًا بعنوان “الغضب الذهبي” حول التحولات النفسية في منتصف العمر، وتفتح الباب للغضب المشروع كقوة بناء.
ويعود الكوميديان جو كينت-والترز بشخصية فرانكي مونرو في عرض ساخر ينطلق من منطق العبث السياسي والتمثيل المبتذل في الإعلام المعاصر.
ويشارك عشرات المبدعين من خلفيات متنوعة بعروض تتناول موضوعات الهوية، والعنصرية، وحقوق ذوي الإعاقة، والانتماء، منها عرض “Falling” للكوميديان الكندي آرون بانغ، الذي يواجه الصور النمطية عن الحب والإعاقة بأسلوب لاذع وشجاع.
موسيقى ورقص… خارج الإطار الكلاسيكي
تعود فرقة الباليه الاسكتلندي بعملها الجديد “ماري، ملكة الاسكتلنديين”، في إعادة قراءة نسوية لتاريخ غارق في الدم والمؤامرات. كما يُقدَّم عرض باليه بيئي بعنوان “Figures in Extinction” من إخراج كريستال بايت، حول اختفاء الكائنات وتدمير الطبيعة في ظل الهيمنة البشرية.
وتستضيف المهرجانات المتوازية أمسيات موسيقية لأوركسترا لندن السيمفونية، وأعمالاً تركيبية للفنانين آندي جولدزوورثي ومايك نيلسون، إلى جانب لوحات تفاعلية في الفضاءات العامة.
مهرجان لأصوات المهمّشين
رغم الطابع العالمي للمهرجان، إلا أن أصوات الجنوب، والمهمّشين، والمقهورين، حاضرة بقوة هذا العام. تذكّرنا هذه العروض بأن الفن ليس ترفاً، بل وسيلة مقاومة، ومرآة للكرامة الإنسانية في زمن الردة الحضارية. مهرجان إدنبرة 2025 ليس مجرد حدث فني، بل لحظة استعادة للأمل من بين الركام.