آخر الأخبار

spot_img

الكارثة التأسيسية لحافظ الأسد

“صحيفة الثوري” – كتابات:

كتب الرفيق عبدالواحد المرادي، عن بداياته في العمل الحزبي، في حزب البعث العربي الإشتراكي، في سوريا التي أوفد إليها طالباّ:

الكارثة التأسيسية لحافظ الاسد على سورية عام 1970

كنا في دمشق العاصمة السورية العظيمة طلابا بسطاء يملؤنا تطلع الى المعرفة والى تكريس جهودنا ومعارفنا لبناء مستقبل بلادنا.. في اثناء ذلك وقبله وكجزء منه اثر علينا بعض زملائنا الاكبر منا فضمونا الى حلقات (انصار) في حزب البعث العربي الاشتراكي.. ووصلنا دمشق في اول خريف عام1963 وكان جو الوسط الحزبي مشحونا بالمناقشات حول نتائج المؤتمر الحزبي السادس والتقرير الذي اقره المؤتمر والذي تضمن اطروحات يسارية لم توافق رغبات القيادة الرسمية التاريخية للحزب والتي كانت قد غدت في الحكم في سوريا منذ 8 مارس من ذلك العام الاساتذة صلاح البيطار رئيس الوزراء وميشيل عفلق القائد الحزبي الاول ربما امين عام القيادة القومية والعميد امين الحافظ رئيس مجلس قيادة الثورة.. ولكن التفاعل داخل الحزب ذهب مستمرا حول ذلك التقرير الذي خرج به المؤتمر العام وكانت علاقتي بحزب البعث والاخ العزيز المناضل المرحوم يحي علي الإرياني احد ضحايا ذلك التفاعل في حوالي صيف ذلك العام64 ولم نأسف عليها.. وفي اوائل فبراير1966 جرى تغيير عسكري شبه سلس لكنا لمسنا عنفه حول منزل القائد امين الحافظ حيث استخدمت قاذفات لهب مرتين او ثلا مرات حتى حسم الموقف وكنا مجموعة طلاب في المدينة الجامعية نرى ذلك من شرفات السكن الجامعي على اثره اعلنت قيادة بديلة لحزب البعث وللدولة السورية التي كان يقودها الحزب في ذلك الوقت وتصدر المشهد ثلاثة دكاترة اطباء من القادة السياسيين السوريين ذوو الميول اليسارية المؤيدين لاطروحات ذلك التقرير وغدا هؤلاء القادة الرئيسيون للحزب وللدولة السورية بقيادة حزب البعث وهم الدكتور نورالدين الاتاسي من حمص الذي غدا رئيسا للدولة والدكتور يوسف زعين من حماة والذي غدا رئيسا للوزراء والدكتور ابراهيم ماخوس وهو من اللاذقية ومسيحي الديانة ولكنه وطني سوري وعربي من الدرجة الأولى الذي غدا نائبا لرئيس الوزراء ووزيرا للخارجية وبالمناسبة هؤلاء الدكاترة الثلاثة عند تخرجهم من كلية الطب في دمشق حوالي عام 56 ذهبو معا للتطوع كأطباء مع جيش التحرير الوطني الجزائري وادوا واجبهم هناك حتى انتصرت الثورة الحزائرية العظيمة فعادو بعدها الى بلادهم لممارسة المهنة الطبية وللمارسة السياسية الوطنية وبينها عضويتهم في حزب البعث العربي الاشتراكي وكان معهم في قيادة الحزب والدولة حينها العميد صلاح جديد الذي استنكف عن تولي وزارة الدفاع وتولى بدلا من ذلك رئاسة المكتب العسكري الذي هو اعلى هيئة متخصصة للاشراف على القوات المسلحة.. وعملت هذه القيادة على تحويل الاطروحات اليسارية الى نهج سياسي مباشر.. فعمقو الاصلاح الزراعي وحلوا اشكاليات القطاع الحكومي في الاقتصاد حسب تفكيرهم ونقابات العمال حينها وطوروا المنهج التعليمي للمدارس العامة وحدثوه تحديثا عميقا واشركوا الحزب الشيوعي السوري في الحكم وطورو العلاقات مع الاتحاد السوفييتي وعقدوا اتفاقيات معه لبناء سد كبير للمياه على نهر الفرات ولبناء خط سكة حديد تربط الشمال السوري بالساحل على البحر المتوسط وغيرها في الاقتصاد واتفاقيات لتطوير القدرات العسكرية للقوات المسلحة وللتنسيق السياسي والثقافي والتربوي وشهدت العلاقات بين البلدين تطوراكبيرا وكذلك علاقات سوريا بقوى التحرر الوطني العربية وغير العربية وحزب البعث عاش انتعاشا وحيوية وربما ان اهم مشاكلهم كانت استمرار التنافس المؤسف مع الشقيقة مصر بقيادة الزعيم عبدالناصر وربما من هناك مرت بعض مداخل مؤامرة حزيران 67 ونكستها وجرى ترميم الخسائر الناجمة عن هزيمة يونيو67 والاشتباكات مع الطيران الاسرائيلي وكانت تتكرر ولكن سلاح الجو كان يتطور بدعم سوفييتي.. وكان كل شيئ قابل للبحث والحوار والبلاد يسودها التفاؤل وروح صمود وكفاحية النظام ضاهرة حتى وصل مددهم الى اليمن فساعدو ثورة سبتمبر اليمنية ايام حصار الملكيين لصنعاء.. وفجأة يتحرك العقيد او العميد حينها حافظ الاسد في صيف 1968وكان حينها وزيرا للدفاع و قائدا للقوات الجوية مستندا ايضا لتأييد بعض ضباط حامية دمشق ويستولي على الاذاعة والتلفزيون واركان الجيش والاتصالات ويطلب ابعاد وزير الامن حينها من موقعه والا انه سيستكمل انقلابه .. صعقت القيادة الجديدة واضطرت للاذعان لمطالب وزير الدفاع قائد الطيران والدفاع الجوي على امل مراجعة الموقف لاحقا.. ولكن الرجل واصل مشواره بحنكة وتصميم حتى استكمل جاهزيته على مختلف الصعد واعلن انقلابا كاملا في نوفمبر1970 وغدا الرجل الاول والوحيد وكل القادة المذكورين استضافهم في سجن مؤبد.. ضعف دورالحزب بعد ذلك وزاد دور ضباط الطائفة العلوية ماعدا صلاح جديد الذي كان علويا ولكنه غير مرغوب وقضى بقية عمره مسجونا دون محاكمة؟

لاادري خلفية ذلك هل احتكاكات شخصية أم اطماع ذاتية ام علاقة ما مع البعث العراقي الذي وصل في يوليو من ذلك العام الى الحكم في العراق ام علاقة ما مع جهة غربية ما؟ ولكن الامال التي كانت مرتسمة في افق سوريا ما تزال تحررية تقدمية تكدرت والقدرات على التعامل الرحب مع اوساط الاغلبيات الاجتماعية والدينية والاقليات التي كانت متاحة تأثرت سلبيا بعد ذلك بالجوهر الطائفي للسلطة الاسدية.. وهللت لذلك اوساط اليمين السوري بفصائلها المتعددة وحظيت حركة القائد الى الابد الامين حافظ الاسد بتأييدهم الواضح وكذلك دوائر غربية وعربية عديدة.. على الصعيد الداخلي ما انجزه الدكاترة الثلاثة وحركتهم بين فبرير66 وحتى نوفمبر 1970 لم يمسه بتغيير اساسي حافظ الاسد ولكنه حرث الجيش السوري والامن السياسي وضمن الولاء الشخصي له والخطاب القومي العربي والمقاوم لاسرائيل والامبريالية استمر ولكن الجوهر الاسري الطائفي نمى وغدا سمة جوهرية للنظام كانت لها تبعات على صعيد كل شيئ وان بحذر وتدريجيا ولكن جرى توريث جملكي للحكم بعد وفاة الاب حافظ لابنه بشار والبقية معروفة.. لقد اغتيل فجرا كان واعدا بأفضل مالدى حزب البعث العربي الاشتراكي وكانت تلك الخطيئة التأسيية للاسد وحركته الانقلابية في حكمه المنفرد وولده بشار من بعده.. وانسحب ذلك على العلاقة بعيدة الامد بين بغداد ودمشق على المدى البعيد وفيها ابرز فشل واسوأ سيئة نالت من مصداقية البعث الذي حكم سوريا والعراق عقودا من السنين ولم يوحدهما لنصرة الامة العربية وقضايا تحررها وتقدمها وقد كانت رسالته المعلنة كذلك طبعا وصدام حسين الشهيد كانت عليه مسئولية كبيرة في ذلك.. ولوكان النظام الاسدي العسكريتاري لم يكن طائفيا لكان بالامكان تجنب احداث مأساة حماة المرعبة في الثمانينات ومثلها احداث 2011 وما بعدها ولعل استقالة نائب الرئيس حينها فاروق الشرع ابن درعا يشير الى ذلك فقد كانت الوطنية العربية والسورية يمكن ان تستدعي حلولا سياسية بديلة هذا اذا لم يكن الناس واالنظام السياسي قد تجاوزوا اسس الانقسامات الطائفية والمناطقية قبل ذلك ..الان حدثت الكارثة الاكبر لم يصلح النظام السياسي بعد الاحداث الاشدرعبا بعد 2011 ولم تجري مصالحات وانفراجات وطنية اساسية مسئولة بموجب تفاهمات استانا او بغيرها واشتدت الاحتقانات ووجدت القوى الداخلية المتضررة وداعميها الخارجيين فرصتهم جراء عزلة النظام الداخلية وعدم اسهامه المباشر في دعم غزة التي استفرد بها الاجرام الاسرائيلي الاميركي اضف الى ارهاق الطائفة العلوية في الصراعات الداخلية المدمرة وهامشية دور حزب البعث ومختلف القوى الوطنية في سوريا وكذلك تغير مواقف الداعمين الخارجيين للنظام روسيا وايران لاسبابهم وتغاير تفكيرهم ولم يجري ترتيب هبوط آمن حتى أو نقل هادئ للسلطة.. فحدث الذي حدث وسقط النظام الاسدي واسقطت معه للاسف المرير الدولة العربية الوطنية السورية.. واستغلت ذلك اسرائيل العدوانية ومارست اسوأ عدوان اجرامي على سوريا وعلى العرب بعد فظائعها في غزة وجنوب لبنان.. وغدا على العرب جميعا مسئوليات اكبر لاخطائهم الكبرى السابقة والراهنة وكذلك على تركيا التي ظهرت لاعبا سلبيا كبيرا للاسف في احداث سوريا وخاصة الراهنة.. والمطلوب من الجميع رد وردع عدوانية اسرائيل وداعمها الكبير اميركا وحماية استقلال وسيادة ووحدة اراضي سوريا.. وذلك الواجب اساسي على من يتولون السيادة والقيادة في سوريا العزيزة الان.. كما ينتظر منهم الشعب السوري العظيم بمختلف مكوناته ايقاف التدمير الداخلي والخارجي للبلد ومقدراتها واعادة اقامة الدولة السورية كدولة قانون ومؤسسات وطنية مدنية ديمقراطية حديثة عزيزة سيدة متحررة من كل التدخلات الاجنبية في البلاد وشئونها الداخلية ومسئولة عن حياة مواطنيها تكرس موارد البلاد الكبيرة للتصالح الوطني والاجتماعي والتعافي من الحالات الانقسامية السابقة وجراحها مستفيدين من تجارب ودروس الماضي.

وبالله التوفيق وهو المستعان..

 

عبدالواحدالمرادي 14/12/2024..

– منقول من صفحة الرفيق فوزي العريقي في الفيسبوك