“صحيفة الثوري” – كتابات:
د. فائزة عبدالرقيب
من يتأمل المشهد السياسي اليمني اليوم، يدرك أن التجارب والاحداث وحدها هي التي تصنع الوعي، وأن المدرسة التي لم تُخدع بالأكاذيب باقية، ما بقي الايمان بالوطن.
لم نعد صغارا تعبث بنا الاحداث او تفاجئنا المواقف كما كانت تفعل في الماضي؛ فقد نضج الوعي وتكاملت الخبرة، واصبحنا نقرأ المشهد قبل أن يُعرض علينا، ونفكك الخطاب قبل أن يصلنا صداه. لم تعد تلك الابتسامات الصفراء الباهتة تخدعنا، ولا الوعود الانتهازية التي تُطلق لامتصاص الغضب وكسب الوقت لتمرير الباطل تنطلي علينا، ولا الشعارات المنمقة تستهوي عقولنا، فالتجربة السياسية علمتنا أن وراء كل ابتسامة غرضا، ووراء كل وعد نية لا تخفى.
كانت تلك المرحلة الاولى، لحظة التشكّل في الوعي السياسي، حين كنا نُساق بالامل نحو وطن نحلم به كبيرا مثل احلامنا، شامخا كطموحاتنا. كنا نؤمن أن بإمكاننا أن نبني دولة تنمو فننمو معها، تزدهر فنزهو بها. لكننا اصطدمنا بواقع مثقل بالنفاق والكذب السياسي، وبقيادات فاشلة هزمتها قلة الكفاءة والانانية، ورافقها الجهل بمتطلبات الدولة في عالم يتغيّر بسرعة تفوق ادراكهم.
رأينا كيف تحوّل بعض من في المشهد الى هواة توصيف سياسي دون عمق فكري او مشروع وطني، وكيف أاصيب آخرون بسُعار المال والنفوذ، يتزاحمون على اقتناص الفرص، ويغزلون خيوط العنكبوت ذاتها التي نسجت خديعة الامس.
لا تعيبوا صمت الناس، فهم اكبر وزنا من هؤلاء المتحوّلين وتلك القيادات الفاشلة. لقد جدّوا واجتهدوا، وهم ذوو خبرة وكفاءة، لكنهم للاسف لا يجيدون حمل السلاح ولا توجيهه صوب المواطن، وليس فيهم صفة بائع وطن. إن صمتهم اليوم ليس ضعفا ولا استسلاما، بل وعيٌ عميق بحجم الفساد الذي ينهش جسد الوطن، وادراك بأن مَن يعبثون بالسلطة والنفوذ لا يُعمرون طويلا.
فالتاريخ لا يرحم، ومن استباح الوطن لن يجد له مكانا الا في مزابل النسيان.