آخر الأخبار

spot_img

وصار للفساد إيدلوجيا

“صحيفة الثوري” – كتابات:

ناجي محمود العيفري

في زمن مضى، كانت العلاقات تبنى على الفكرة ، وتنسج الروابط من قناعات راسخة، لا من مصالح زائلة.

كان الرفيق اليساري يعني شريك نضال حقيقي من أجل العدالة الاجتماعية وكرامة الفقراء، وكانت الأيديولوجيات الكفاحية تتحالف تحت راية التحرر والنضال ضد الظلم.

أما أصحاب الإيديولوجيا الدينية، فكانوا أكثر تعصبا، يرون أنفسهم أوصياء على مشروع إلهي، متكاتفين في سبيل الوصول للخلافة المزعومة التي تشبه خلافة يزيد والوليد والواثق وغيرهم من فساق التاريخ الذين كانوا يلقبوا بأمير المؤمنيين وهم غير ملتزمين بقواعد الدين الإسلامي وانما العقيدة التي تجمعهم إلى هدف سياسي منشود.

وفي المقابل، كان القوميون يجمعهم حب اللغة والهوية، حيث كانت العروبة رابطة روحية تملأ النفوس فخرًا رغم كل التحديات.

لكن اليوم، تغير كل شيء،لم تعد العقائد تقرب بين الناس، بل صارت تستعمل كأقنعة،انحسرت الأيديولوجيا، وتآكلت الهويات، وتراجعت العقائد، وصعدت من تحت الأنقاض رابطة جديدة، لم تعرفها البشرية في قاموسها الأخلاقي إنها رابطة الفساد.

صار الفاسد لا يصادق إلا فاسدا.

وأصبحت بينهم محبة ومودة وتنسيق يفوق كل ما عرفته الأيديولوجيات السابقة.

تراهم يجلسون على طاولات واحدة، يضحكون يتقاسمون الغنائم، يحمون بعضهم البعض،يتغاضون عن سرقات بعضهم البعض، ويصعدون معا ككتلة واحدة لا تهزم.

والمفارقة ان كل فاسد منهم ينتمي إلى تيار يبدو متناقضا مع الآخر،

فإذا دخل الفساد بينهم، سقطت الشعارات، وذابت الفوارق، وتحولت الخصومة الأيديولوجية إلى صداقة مالية متينة.

لقد صار الفساد هو الأيديولوجيا الوحيدة الباقية ،الأكثر تماسكا، الأكثر نفوذا، والأكثر “جاذبية” في عالم انهارت فيه القيم، وتراجعت فيه الأخلاق أمام الإغراءات.

شبكات الفساد اليوم أقوى من الأحزاب، وأعمق من الحركات، وأكثر انتشارا من المدارس الفكرية،لها امتدادها الإعلامي، وذراعها الاقتصادي وتحالفها السياسي.

وهي لا تحتاج إلى جماهير، لأنها تمتلك السوق.

ولا تحتاج إلى فكر، لأنها تشتري العقول.

تحالف لا يؤمن بشيء إلا بالنهب، ولا يدافع عن شيء إلا عن امتيازاته، ولا يتورع عن شيء إلا عن الشفافية.

في هذا الزمن، لا ينصفك أحد لأنك محق، ولا يناصرونك لأنك عادل، بل ينظر إليك كـ”ساذج” لم تفهم قواعد اللعبة الجديدة، حيث الانتماء للفساد أصبح أقوى من الانتماء للدين، والقومية، والوطن، والعدالة.

فهل انتهت الأيديولوجيا؟ أم أننا فقط دخلنا زمنًا جديدًا، حيث الفساد هو الأيديولوجيا البديلة؟

زمن بلا أحلام، بلا مبادئ، بلا عدالة… زمن نختزل فيه إلى صفقات ويقاس فيه الإنسان بعدد الأصفار في حسابه لا بعدد القيم في قلبه،فإذا جاء مفكر وتحدث عن الدولة والاقتصاد ضحكوا عليه وقالوا هذا ساذج ،واذا جاء وطني يطرح حلول كيف الحد من النهب والسرقة قالوا هذا غبي، حتى أصبحنا مسلمين بهذا الأمر وأن الحديث عن الشفافية ومكافحة الفساد أمر مستحيل في ظل ترابط عصابات الفساد .

الإخواني ينادى بإخواني، واليساري يطلق عليه رفيق، واليميني يوصف باليميني، فما الذي يبقى لنا إلا أن ننتظر ونعرف كيف يطلق الفاسدون على بعضهم البعض من ألقاب وتوصيفات تمجد سرقاتهم وتعلي من شأن خيانتهم لنخاطبهم بها؟