آخر الأخبار

spot_img

رفيق الشرعبي.. المعلم الذي سكن قلوب أهل مدينة المحويت

“صحيفة الثوري” – في الذاكرة:

طاهر شمسان

خرجت مدينة المحويت عن بكرة أبيها، في وداع رجل لم يكن من أصحاب النفوذ، ولا من أولئك الذين تتسابق عدسات الكاميرات نحوهم، بل كان إنسانا بسيطا، جاء إليها منذ أكثر من ثلاثة عقود، حاملا روحه على راحة كفه، غارسا المحبة حيثما حل واستقر به المقام.

رفيق الشرعبي، ابن مديرية شرعب في محافظة تعز، خريج كلية التربية في جامعة صنعاء، تم توزيعه ليكون مُعَلِّماً في محافظة المحويت، وكان من الممكن أن يكون ذلك مجرد عبور وظيفي، أو تجربة عابرة في سياق التوزيع الجغرافي للكوادر، لكن رفيق اختار أن يجعل من مهنته رسالة، ومن وجوده جسرا إنسانيا بين مدينته تعز ومدينة المحويت التي احتضنته وأحبته.

على مدى سنوات، لم يكن رفيق مجرد معلم يؤدي واجبه، بل كان ضميرا تربويا حيا، وصوتا إنسانيا هادئا، وشخصية نقية كالماء الجاري الذي لا يحدث ضجيجا، لكنه ينعش الحياة في كل مكان يمر منه.

ثم جاءت الفاجعة: حادث مروري أليم، بين صنعاء والمحويت، ينهي حياة المعلم رفيق الشرعبي وابنته الطالبة في كلية الطب. مفارقة موجعة بين معلم أفنى حياته في تربية الأجيال، وابنة اختارت أن تعافي يوما ما أجساد الناس من أوجاعها. لقد رحل الأب والابنة معا في لحظة واحدة. لكن ما حدث بعد الرحيل كان أبلغ من أي كلام: مدينة المحويت، خرجت كلها في جنازة مهيبة تليق بعظماء الروح. لم يكن أهل المدينة يشيعون “رفيق عضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني”، بل “رفيق الإنسان” الذي عاش عقودا بينهم كواحد منهم، لا طالبا شهرة ولا مزاحما على مكاسب، بل عاش في الظل بشرف وبتواضع وإخلاص وكرامة غير مهتم سوى بالضوء الذي يتمدد من عقله إلى عقول تلاميذه.

لقد قال أهل مدينة المحويت كلمتهم، ليس من خلال منشورات أو مراث، بل بخروج حاشد أعاد الاعتبار لكل معلم شريف يؤدي واجبه بصمت وإخلاص في كل اليمن. وبهذا لم تعبر هذه المدينة الجميلة عن وفائها لرفيق الشرعبي وحسب، وإنما عبرت عن احترامها للمعلم وتقديرها لرسالته في الحياة. لقد أعاد إلينا رفيق الشرعبي في وداعه الأخير، معنى كنا على وشك نسيانه: إن الكرامة الحقيقية لا تصنع في دهاليز السلطة، بل تنسج في قلوب الناس.

سلام عليك أيها الرفيق النبيل، وسلام على ابنتك التي مضت معك، وأنتم تتركون خلفكم دمعة، وذكرى، ودرسا في المحبة لا ينسى. وسلام على مدينة المحويت وعلى أهلها الطيبين الذين خرجوا لوداعك كواحد منهم عزيز عليهم.