آخر الأخبار

spot_img

خيبة أمل متأخرة… وطريق بديل شقه مجتهدون ثوار سابقون عظام

(صحيفة الثوري ) – كتابات :

أ. عبدالواحد المرادي

الأخ محمد المقالح له مواقف متغايرة متبدلة بين وقت وآخر من الحوثيين، معهم تارة ومختلف عنهم وناقد لهم تارة أخرى، وناصح لهم تارة، وهكذا… وسألتقط وأعلق هنا على موقفين أخيرين:

منذ حوالي شهر أو نحو ذلك، قرأت له تصريحًا يعلق على حالة المذهب الزيدي وأذية الحوثيين له، وقال ما معناه إنه كان للمذهب الزيدي مضمون ثوري (ربما يقصد فكرة الخروج على الحاكم الظالم وشروطهم للحاكم)، وإن الحوثيين بما معناه عطَّلوا ذلك وخيبوا الآمال. وهو اجتزاء وانتقائية مُخلَّة، ويبدو لي أنها مثل نظرة تبصر الشعرة وتُعمي عن الجرة التي يستقي منها الناس شرابهم.

فيا محمد، أي ثورية مع عنصرية البَطْنيين؟ أي ثورية مع تجاهل النظرة العادلة العاقلة للإسلام الحكيم الجليل، الذي ساوى بين البشر جميعًا في الخلق في عشرات الآيات والأحاديث، ومن أهمها: “إن أكرمكم عند الله أتقاكم” و**”ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين”**؟ وهل كان المعتزلة، أصحاب العدل والتوحيد والمنزلة بين المنزلتين، أو الإمام زيد مع فكرة البَطْنيين؟ أم هو تدخل يحيى بن الحسين الرسي، الذي حوَّل المنزلة بين المنزلتين إلى ولاية البَطْنيين؟ وهو ما أدى إلى جرائم يخزى منها البشر، ويستحي العاقلون، وتُذكّر بأفاعيل الطاغية عبدالله بن حمزة وإجرامه في مواجهة استنارة المطرفية وإبادته لهم، وتُذكّر بأفاعيل المتوكل إسماعيل وتنكيـله بالشوافع، وتُذكّر بالمطهر بن شرف الدين مع أسراه من أتباع الطاهريين، وهي غيض من فيض كبير لعنصرية ذوي عقيدة البَطْنيين وخُرافاتهم.

اليوم، صعودكم شكَّل ردة ضد ثورة شعبية سلمية مثَّلت نقلة في حياة شعب أرهقته الحروب الداخلية، وتمكَّن من تغيير النظام البائد الذي حكم البلاد بالقوة والخديعة أكثر من ثلاثين عامًا، وهدم وحدة اليمن السلمية ومشروعها الوطني. وغدا أهل الجنوب يتحدثون عن استعمار داخلي يريدون التحرر منه، ومعهم حق في ذلك… وتشكل وضع يمكن أن تُجرب حلوله بصور سلمية بعد ذلك، حيث كان الحوار الوطني الذي شاركتم فيه والدستور، العقد الاجتماعي المصاغ بروحه، قد صيغ وشاركتم في صياغته، ورأس لجنته هاشمي وزيدي عريق المحتد ومستنير، وغدا جاهزًا للاستفتاء، واليمن على وشك الخروج من ربقة الفوضى الخانقة للخارجية الأميركية.

وفجأة، أنتم وشريككم الذي غدا قتيلكم، دخلتم على خط الحياة والأمل، فكسرتوه، ودفعتم بالبلاد إلى عالم الفوضى الخانقة والحروب والخراب، ولا يزال اليمن مخنوقًا مثخنًا بالجراح بنتائج مشروعكم الداخلية والخارجية من كل الأصناف…

ثورية وعقل وتجدد الزيدية عبَّر عنها مطرف بن شهاب والمطرفية رحمة الله تغشاهم، وعبَّر عنها نشوان الحميري، وابن الأمير الصنعاني، والشوكاني، والمقبلي، وأمثالهم. وبعدهم الجمهوريون الأماجد، أمثال: محمد محمود الزبيري، وعبدالله السلال، وعبدالرحمن الإرياني، ومحمد مطهر زيد، وعلي عبدالمغني وزملائهم، وعبدالكريم ومطهر الإرياني، وجارالله عمر، ويحيى محمد الشامي القياديان في الاشتراكي، ويحيى الحكيم بن عمك وقريتك.

وعبَّر عنها في زماننا بصورة أوضح، ومن موقعه المتميز في السلالة والمذهب، الأستاذ العلامة المرحوم أحمد الشامي رئيس حزب الحق، وتلك المجموعة من زملائه الأجلاء عام 1991 و1992 بتأييدهم لوحدة 22 مايو ودولتها ودستورها الوطني. وإن اغتيل ذلك المشروع والآمال التي انعقدت عليه بعد ذلك، فقد عبَّر عنها بعدهم تلميذهم النجيب، والإنسان الذي استوعب عصره وأوجاع شعبه اليمني وغيره من الشعوب العربية الإسلامية، الأستاذ الشهيد الدكتور أحمد حسين شرف الدين، مواصلًا نهج أساتذته أحمد الشامي ورهط العلماء الذين شاركوه مواقفه عام 1991 / 1992، وصاغوا زيدية جديدة، زيدية بلا إمامة كما قال البعض.

وقالوا إن الجمهورية اليمنية المعلنة في مايو 1990 هي دولة المسلمين ذات الشرعية دينًا ودستورًا. وطوَّر ذلك الموقف بتبني رؤية أن الإسلام هو دين الشعب اليمني، والدولة ينبغي أن تكون دولة الشعب اليمني، ولا يُذكر لها دين حتى لا يحاول أصحاب المذاهب المتعددة الذهاب للسيطرة على الدولة وتلوينها بلون مذاهبهم، وهي صراعات ما أفدح نتائجها على الشعوب.

اليوم يا محمد، تطل على الناس مروجًا لمشروع للحوار والسلام، تقول إن الأخوة الانقلابيين صناع الوضع الكارثي الفادح القائم مع شريكهم حينها، وقتيلهم بعد ذلك، علي عبدالله صالح، يريدون السلام؟!

وإلى قبل أمس، كان الأخوة الحوثيون، أو الأنصار كما يسمون أنفسهم، يرفضون الحوار مع قوى الشرعية اليمنية، التي كانوا طوال أوقاتهم يوصمونها بالمرتزقة أو حتى بالدواعش، ولن يحاوروا إلا المملكة السعودية، رأس العدوان وممولته، كما قالوا ولا يزالون. فما هو المتغير الباعث لذلك؟ هل هراوة ترامب مثلًا؟ أم هل هي صحوة وطنية متأخرة هداهم الله إليها؟

لكن للأسف، هذه الصحوة وهذه الهداية جاءتهم وهم غارقون في الإجرام الدامي والدخان والغبار المعتجن في فضاء اليمن، من جراء القتل والتدمير العدواني لأبناء قيفة الصابرين الأبطال، والتشريد لنسائهم وأطفالهم، خلافًا للتوجيه الرباني: “ولا تزر وازرة وزر أخرى”. تريدون قمع مخالفيكم وإرهابهم، حتى وهذا هدف غير لائق وغير إنساني ولا وطني ولا أخلاقي، ولا علاقة له بالإسلام، بل ضد كل ذلك.

تريدون سلامًا؟

ابحثوا عن مقترحات مناسبة وقدموها بطرق مناسبة لإخوتكم الوطنيين اليمنيين في الطرف الآخر من الصراع اليمني/اليمني، وتفهموا مخاوفهم من ماضيكم الذي رفض كل حوار وكل ندية وتكافؤ واحترام، حينما كنتم مستَقوين بشتات صفوف الطرف الآخر وبلاهاته، وبدعم إقليمي ودولي غربي لكم.

وطبيعي أن الكاتب هنا لا يمثل إلا نفسه وشخصه المتواضع فحسب.

التزموا بإطعام الشعب، ووقف إرهابه، وتعلموا احترامه.

تراجعوا عن بعض حماقاتكم المعادية للشعب اليمني.

أطلقوا سراح جميع معتقلي الرأي في سجونكم الرديئة البشعة.

نفذوا مقترح الشرعية بتبييض السجون من الأسرى: الكل مقابل الكل، الجميع مقابل الجميع.

بدِّلوا نظام سجونكم الرديئة القروسطية، واجعلوه تحقيقًا بلا تعذيب واعتداءات جسدية ونفسية.

ادفعوا مرتبات وحقوق الموظفين لديكم، أو حتى ما التزمتم به في ستوكهولم.

قدِّموا خرائط بالألغام المرعبة التي زرعتموها بجنون في المناطق الكثيرة.

هكذا يكون طريق جديد لحوار جاد للسلام والمصالحة الوطنية، لبناء جمهورية يمنية ديمقراطية حديثة، أو جمهوريتين، شماليةوجنوبية، وفق ما يتفق عليه اليمنيون.