آخر الأخبار

spot_img

مفتاح الولوج لمواجهة الإنهيار الاقتصادي 

“صحيفة الثوري” – كتابات:

ا.د. محمد علي قحطان *

منذ إنقلاب سبتمبر 2014 وما تلاه من أحداث دامية مستمرة حتى وقتنا الحاضر , يشهد الاقتصادي اليمني وبنيته التحتية تدهورا مستمرا ، كما شمل هذا التدهور انفلات مؤسسات الدولة ونشؤ كنتونات مسلحة تقاتل بعضها البعض وكل يسوق صموده في الصراع والقتال بانه من أجل إستعادة الدولة وحماية سيادتها ومصالح الشعب اليمني . وفي الواقع نفسه نلاحظ بان الدولة بكل مكوناتها (( الأرض والشعب والسلطة الحاكمة)) ، تتمزق. إذ تقاسمت مكونات القوى المسلحة الأرض وصارت مكونات عدة كل منها يسيطر على مساحة من الأرض ويتم إخضاع مواطني تلك المساحات لإرادة سلطات مختلفة. وأبرز التقسيمات تتشكل تحت محورين: محور الشرعية المعترف بها دولياً ومركزها العاصمة المؤقتة عدن وآخر محور من يمسك بسلطة الأمر الواقع في صنعاء وكل من المحورين يخضع لإرادات إقليمية متضاربة جعلت من اليمن حلبة لتصفية حسابات واطماع مختلفة. إلا ان سلطة محور صنعاء تتواجد على الأرض اليمنية وتفرض سلطتها بقوة السلاح على كافة الأراضي الواقعة تحت سيطرتها وتعمل على ترسيخ سياسات اقتصادية واجتماعية وثقافية خاصةً بها وبنفس الوقت فان محور سلطة عدن يتنازع الحكم فيه مكونات عسكرية مختلفة غير موحدة وهي في صراع مستمر لاجل السلطة والنفوذ وتتحكم بإرادتها دول في الإقليم. إذ تقوم هذه الدول بتحمل كافة أوجه الانفاق العسكري على التشكيلات العسكرية وتدعم السلطات السياسية والاقتصادية المنظوية في إطار الشرعية.

وكل ذلك قد أدى إلى أن سلطة الأمر الواقع في صنعاء تتمسك بما رسخته من سياسات اقتصادية واجتماعية وتعتبر هذه السياسات هو النظام الذي يفترض أن يسود في اليمن تحت سلطتها وتسعى لإخضاع مكونات الشرعية لهذه الإرادة.

ويقابل ذلك عدة مكونات تعمل على إدامة ما تتمتع به من مكاسب شخصية. إلا انها تبدو عاجزة عن بناء سلطتها على الأراضي اليمنية وبالتالى فقد استقر قادتها مع اسرهم في الخارج واصبح مركز هذه القوى في الرياض ، عاصمة السعودية ويعيشون مع أسرهم بصورة دائمة في دول عدة ويتم ممارسة سلطاتهم اما عن بعد أو بزيارات مؤقتة للعاصمة المؤقتة عدن وتحركاتهم محدودة للغاية أبرزها الإقامة في قصر المعاشيق ، الذي خصص للسلطة المركزية للشرعية .الامر الذي أدى إلى العديد من الظواهر أبرزها:

1) إستمرار إنهيار مؤسسات الدولة ، وصعوبة إعادة بنائها وتعافيها.

2) عدم القدرة على تنفيذ أية قرارات تتخذها الحكومة بتوجيهات من مجلس الرئاسة. إذ ان مؤسسات الدولة غير فاعلة في الواقع.

 3) جهاز مالي منفلت تبدد معظم موارده في اوجه فساد بصورة علنية ولا وجود لأي سلطات فعلية للمحاسبة والتقويم.

4) جهاز مصرفي منقسم ومشلول المقدرة على مواجهة التقلبات الاقتصادية الحادة ، التي ابرزها إنهيار سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية ، الأمر الذي أدى لتفاقم حالة التضخم وبالتالى الركود والكساد وتقف السلطات الحاكمة متفرجة ، فاقدة للقدرة على المواجهة ، تنتظر المنح والمساعدات الخارجية للوفاء في بعض التزاماتها الملحة كرواتب الموظفين ….. وغيرها.

5) تعاظم الإنفاق الخارجي على السلك الدبلوماسي اليمني المتضخم بمكوناته المختلفة في الخارج وإنفاق متزايد بالعملات الأجنبية كرواتب ونفقات اخرى لمنتسبي الدولة ، النازحين في الخارج ، مع علمهم بمخالفة ذلك للقوانين والأنظمة والإصرار على استمرار العمل بهذه السياسة تحت مبررات واهية . الأمر الذي يسهم في تسريب العملات الأجنبية للخارج.ويزيد من تفاقم أوضاع سعر الصرف.

6) هروب كل منتسبي البعثات الدبلوماسية الأجنبية للخارج بانتظار عودة مؤسسات الدولة الشرعية لداخل اليمن. وبالتالى فاليمن تنفق على سلكها الدبلوماسي في الخارج وتعجز في احداث أي اصلاحات لمواجهة تضخمة وبنفس الوقت ليس هناك سلك دبلوماسي خارجي يقيم في اليمن يعوض جزءا من تسريب العملات الأجنبية للخارج .

7) هروب معظم رجال المال والأعمال اليمنيين للخارج وتأسيس استثمارات لهم في الخارج على حساب الاستثمارات الوطنية داخل اليمن.

8) تخوف أصحاب الإستثمارات الوطنية آلتي مراكزها في صنعاء من نقل مراكز استثماراتهم الى عدن وبخاصة البنوك التجاريه وغيرها من الشركات الكبيرة التي تواجه تراجع كبير في أنشطتها الاستثمارية بفعل ما تواجهه من عوامل طرد غير محتملة. إذ ان غياب مؤسسات الدولة توحي بعدم الاستقرار والامان في العاصمه المؤقته عدن ويظل احد العوامل المسببة لعدم الإقدام على عملية النقل ، الأمر الذي دفع بهذه الإستثمارات للتوجه نحو الخارج.

9) فقدان الثقة بسلطة الشرعية لدى المجتمع الدولي, كونها عاجزة عن استعادة مؤسسات الدولة وغير موجودة في الواقع لمواجهة تعقيداته المختلفة.

كل تلك العوامل وغيرها سببها الرئيسي كما اسلفت إستقرار مؤسسات الدولة الرسمية ، المعترف بها دولياً في الخارج ورفضها للعودة لمواقعها الطبيعية داخل اليمن.الامر الذي في حالة استمراره سيظل التدهور الاقتصادي يتفاقم ، وبالتالى تتصاعد الاحتجاجات الشعبية على التدهور المستمر في وضهم المعيشي والإنساني بسبب التدهور الاقتصادي ، الذي لا نرى إمكانية مواجهته مع استمرار مؤسسات الدولة العليا في حالة نزوح في الخارج.

وبناءا على كل ما عرض يمكن استخلاص ان مفتاح الولوج إلى مواجهة الإنهيار الاقتصادي والإنساني يتمثل باتخاذ خطوات جريئة لعودة منتسبي الدولة إلى مواقعهم الوظيفية داخل اليمن واستقرارهم بصورة دائمة. وبدون ان يحدث هذا فان الحديث عن اصلاحات اقتصادية ومواجهة الفساد ومحاصرة إنهيار سعر الصرف والتدهور الاقتصادي والإنساني سيظل كلاما نظريا لا قيمة عملية له ولن يكتب له النجاح.

 

* أستاذ الاقتصاد/ جامعة تعز

19 يناير 2025