(صحيفة الثوري ) – كتابات :
جليل أحمد
في المجتمعات التي تستند إلى الثقافات الدينية والتقليدية، غالبًا ما يتم تحديد الزواج بناءً على معايير ضيقة مثل النسب، المال، أو مكانة الأسرة. هذه المعايير باتت تشكل عائقًا أمام تطور العلاقات الاجتماعية، مما يجعل الحاجة إلى إعادة النظر في هذه التقاليد أمرًا ضروريًا. يُعد المجتمع اليمني أحد هذه المجتمعات التي تحتاج إلى إعادة تطوير في البنى الأسرية، حيث أصبحت المعايير التقليدية سببًا رئيسيًا في معاناة الشباب وصعوبة تحقيق الاستقرار الأسري.
نحن بحاجة إلى تبني معايير أكثر تقدمية تراعي الكفاءة الفردية والقدرة على بناء علاقات قائمة على التفاهم والحب، بعيدًا عن قيود المال أو النسب.
تشير الإحصائيات إلى أن المعايير التقليدية، مثل النسب والمكانة الاجتماعية، التي تُفضل الزواج داخل نفس الطبقة الاجتماعية أو القبلية للحفاظ على الروابط الأسرية والمكانة الاجتماعية، أسهمت في ارتفاع معدلات العنوسة بين النساء، خاصة في بعض الفئات الاجتماعية. على سبيل المثال، تُعاني الفتيات المنتميات إلى فئة “السادة” من صعوبة في الزواج بسبب رفض أهاليهن تزويجهن من شباب لا ينتمون لنفس الفئة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة بينهن.
بالإضافة إلى ذلك، أشارت دراسة إلى أن اليمن يحتل المرتبة التاسعة عربيًا في نسبة عدم زواج الفتيات، حيث تبلغ النسبة حوالي 30%.
قصة جلال: انعكاس لواقع المجتمع
يروي لنا جلال قصته التي أصبحت شاهدًا حيًا على هذه المعايير التقليدية. فقد تقدم جلال لفتاة أحبها لمدة ستة أعوام، لكنه قوبل بالرفض لأن حالته المالية متواضعة ولأنه لا ينتمي إلى عائلة ذات نسب مرموق. على الرغم من أنه محامٍ مثقف ويمتلك كفاءة عالية في مجاله، لم يولِ أهل الفتاة أي اعتبار لمؤهلاته العلمية أو لعمله.
هذا الرفض شكّل صدمة نفسية عميقة لجلال، حتى أنه قرر العزوف عن الزواج، معلنًا أنه سيُعلم أبناءه وأحفاده لاحقًا أن المال هو مفتاح القبول في هذا المجتمع. يقول جلال: “بدلًا من التركيز على العلم والثقافة، سأوجههم للاهتمام بجمع المال لضمان مكانتهم في هذا المجتمع الذي يعتمد على معايير تقليدية غير عادلة”.
المعايير التقليدية في المجتمع اليمني
1. الاختيار العائلي:
تلعب العائلة دورًا كبيرًا في اختيار الشريك، حيث يتم البحث عن شخص يناسب الوضع الاجتماعي والاقتصادي.
2. الاعتبارات القبلية:
الانتماء القبلي معيار أساسي، ويفضل الزواج داخل القبيلة لتوثيق الروابط.
3. المهر وتكاليف الزواج:
يُشكل المهر عبئًا كبيرًا على الشباب، حيث يتم تحديده بناءً على التقاليد، ما يزيد من صعوبة الزواج.
4. الزواج من الأقارب:
يُعتبر الزواج من الأقارب شائعًا كوسيلة للحفاظ على الروابط العائلية.
5. الالتزام بالتقاليد:
التقاليد المتعلقة بالأعراس والمظاهر الخارجية غالبًا ما تُعتبر رمزًا للفخر العائلي، مما يزيد من التكاليف والضغوط.
المعايير في المجتمعات الغربية
1. الاختيار الشخصي:
يقوم الزواج على الحب والتفاهم المتبادل.
2. المساواة:
يتشارك الشريكان في الحقوق والواجبات بالتساوي.
3. التفاهم والانسجام:
يتم التركيز على التوافق الفكري والعاطفي.
4. الاستقلالية:
لكل فرد الحق في الحفاظ على هويته الشخصية داخل الزواج.
5. قبول التنوع:
يُقبل الزواج بين مختلف الخلفيات الدينية والثقافية والاجتماعية.
الخلاصة
المجتمعات التي تعتمد على المعايير التقليدية، مثل المجتمع اليمني، تحتاج إلى تغيير في بنيتها الثقافية والاجتماعية. أولى خطوات التغيير تبدأ من الأسرة، التي تُعتبر اللبنة الأساسية في بناء المجتمع. يجب أن نركز على تبني معايير أكثر إنصافًا قائمة على الكفاءة والاحترام المتبادل بدلًا من تلك القائمة على المال والنسب.
التغيير ليس مستحيلًا، لكنه يتطلب جهودًا مجتمعية ووعيًا ثقافيًا لدعم الشباب وضمان مستقبل أفضل لهم.