صحيفة الثوري – كتابات:
سام أبواصبع
في ذكرى يوم الاستقلال المجيد، وبعد 57 عاماً على ميلاده الفذ، وفي غمرة التهاني والتبريكات التي يطلقها المسؤولون، نتفاجأ بإعلان إضراب شامل للمدارس الحكومية في عاصمة الاستقلال، عدن، احتجاجًا على تأخير رواتب المعلمين وسوء أوضاعهم المعيشية. من كان يتصور أن يأتي يوم على عدن واليمن يُمحى فيه التعليم ويدمر، وتغيب فيه الكهرباء والماء، ويغيب فيه الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية؟ إن منجزات دولة الاستقلال، التي كانت مفخرة للشعب، تتبخر أمام أعيننا بينما تسود اللامبالاة بين المسؤولين.
كيف يمكن لحكومة بوزرائها ومسؤوليها، من مختلف الاتجاهات، أن تشعر بمعاناة الناس ومعاناة الفقراء وهم لا يعيشون وسط الشعب؟ هل يقف أحد هؤلاء المسؤولين اليوم مع نفسه، وهو يعلم أن المدارس الحكومية مضربة بسبب سوء أوضاع المدرسين وتوقف رواتبهم؟
ماذا عن حق الطلاب في الحصول على فرصة تعليم حقيقية؟ كيف للمدرسين، الذين لا يستطيعون توفير متطلبات عائلاتهم، أن يوفوا بواجباتهم تجاه طلابهم؟ هؤلاء المدرسون، الذين أصبح راتبهم، مع تدهور سعر الصرف إلى 2070 ريالاً مقابل الدولار، لا يتجاوز 50 دولاراً، يعيشون في حالة من العوز تجعلهم عاجزين عن تحمل مسؤولياتهم المهنية أو الأسرية.
أمام هذا الوضع الاقتصادي الكارثي، وفي ظل اللامبالاة الواضحة من الحكومة والدولة، يبدو أن أحداً لن يتحمل المسؤولية أو يقف أمام ضميره لمحاسبة نفسه على ما آل إليه حال الناس. كيف يمكن أن يشعر المسؤولون بمعاناة الفقراء، وأبناؤهم يدرسون في مدارس خاصة، بعيدًا عن معاناة المدارس الحكومية؟
الفقراء محرومون من التعليم، بينما يعيش الرؤساء والوزراء في نعيمٍ هم وأطفالهم. إنهم لا يدرسون في مدارس الشعب ولا جامعات الشعب، ولا يتطببون في مشافي الشعب، ولا يسكنون في أحياء الشعب أو مدنه. ما الذي تبقى من الاستقلال، الذي ضاع أكثر من مرة بعد تجربة التعليم المجاني والتطبيب المجاني وتكافؤ الفرص في عهد دولة الاستقلال، تلك الدولة التي وصفها البعض زوراً بـ”الكافرة”؟
في ذكرى الاستقلال نستذكر الحدث العظيم، نستذكر الجبهة القومية، ونستذكر الحزب الاشتراكي، ونستذكر منجزات دولة الاستقلال في التعليم المجاني والتطبيب المجاني، حيث الوزير والغفير يدرسان أولادهما في نفس المدرسة ويتعالجان في ذات المشفى، ويسافر المتفوقون فيهم للدراسة بناء على قدراتهم في الفهم والذكاء لا أفضليتهم في الحسب والنسب واللون والعرق والجهة. وبينما نحن بين الذكرى والتحسر والبحث الشاق للمواطن عن لقمة العيش التي عزت عليه كثيرًا، يتبادل المسؤولون التهاني بعيد الاستقلال، ويعملون في الواقع على القضاء على آخر ملامحه. عدن اليوم بلا تعليم، بلا كهرباء، بلا ماء، بلا طرقات أو مشافي، وأبناؤها وأبناء اليمن من الفقراء بلا فرص متساوية في الحياة والعيش الكريم.
فما الذي بقي من الاستقلال؟