” الثوري” – ترجمات :
أصبح من الصعب بشكل متزايد على الكرملين الحفاظ على مسافة متساوية في الصراع اليمني: إذ أن تزايد التفاعل بين موسكو والحوثيين، بما في ذلك على المستوى العسكري، بات واضحًا. لقد شهدنا هذا من قبل في سوريا، ليبيا، والسودان.
شراكة متزايدة بين روسيا وإيران
تتزايد قوة الشراكة بين روسيا وإيران نتيجة التعاون العسكري في حرب موسكو ضد أوكرانيا، وتنعكس هذه الشراكة في مختلف أنحاء العالم. في اليمن الذي مزقته الحرب، تؤدي هذه الشراكة إلى تقارب موسكو مع المتمردين الحوثيين الموالين لإيران.
لطالما حاولت روسيا الحفاظ على مسافة متساوية من جميع الأطراف في الصراع اليمني. ولكن الآن، يعمل المستشارون العسكريون الروس في العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، ولم تستبعد موسكو إمكانية تزويد المتمردين بالأسلحة. ونتيجة لذلك، إذا حدث تصعيد جديد في اليمن – وهو أمر محتمل جدًا نظرًا لهجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر – فقد تجد موسكو نفسها واحدة من الأطراف في الصراع.
تاريخ روسيا في اليمن
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 وتوحيد اليمن في العام السابق، لم يكن لروسيا أي اهتمام جدي باليمن، حيث لم يتجاوز حجم التبادل التجاري معها 250 مليون دولار في أفضل الأحوال. وبعد اندلاع الحرب الأهلية اليمنية في عام 2011، اتخذ الكرملين موقفًا محايدًا ولم يتدخل بنشاط، على عكس الأزمات في ليبيا وسوريا.
وظلت السياسة الروسية على حالها بعد أن أطلقت السعودية وحلفاؤها عملية عسكرية ضد الحوثيين في مارس 2015. واكتفت موسكو بالدعوة إلى “وقف أي أشكال من الحرب على الفور” من قبل جميع الأطراف.
دعم مستمر لجميع الأطراف
على مدار القتال، حافظت روسيا على الحوار مع جميع المشاركين الرئيسيين في الصراع اليمني. يلتقي الدبلوماسيون الروس بانتظام مع ممثلين عن المجلس الرئاسي المعترف به دوليًا، والمجلس الانتقالي الجنوبي الانفصالي، وحزب المؤتمر الشعبي العام، الذي دخل الآن في تحالف مع الحوثيين. لكن مؤخرًا، ظهر تحيز واضح لصالح الحوثيين.
مصالح القوى الإقليمية في اليمن
بالطبع، ليست روسيا القوة الخارجية الوحيدة التي تهتم بما يحدث في اليمن. فقد دعمت المملكة العربية السعودية المجلس الرئاسي اليمني دائمًا. وتساعد الإمارات العربية المتحدة المجلس الانتقالي الجنوبي، مما يسمح لأبوظبي باستكشاف حقول النفط في جنوب اليمن. أما الحوثيون فقد تلقوا لسنوات عديدة الدعم من إيران من حيث الأسلحة والمال والمعلومات.
تزايد التعاون الروسي مع الحوثيين
خلال العامين ونصف الماضيين، التقى نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف مع ممثلين عن الحوثيين أربع مرات على الأقل: أكثر من أي مشارك آخر في الصراع اليمني. والآن بدأ هذا الكم يتحول تدريجياً إلى نوع.
يعمل الآن مستشارون من وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية (GRU) في صنعاء تحت ستار عمال إغاثة إنسانية. وقد أفادت بذلك وسائل إعلام استناداً إلى استخبارات أميركية، وكذلك مصادر مقربة من الحوثيين. وبحسب هذه المصادر، يعمل مدربون عسكريون إيرانيون ومتخصصون آخرون في اليمن منذ سنوات وفقًا لنفس الخطة.
الضغط الدولي على روسيا
أفادت عدة وسائل إعلام أميركية في صيف 2024 بأن الكرملين كان يستعد لتزويد الحوثيين بالأسلحة، لكنه اضطر للتخلي عن الفكرة تحت ضغط من الولايات المتحدة والسعودية. ومع ذلك، فقد أفاد خبراء الأمم المتحدة مرارًا بمحاولات لتهريب صواريخ موجهة مضادة للدبابات من طراز **9M133 Kornet**، وبنادق هجومية من طراز **AKS-20U**، وأسلحة أخرى إلى اليمن، وهي أسلحة تحمل نفس المواصفات الفنية والعلامات التي تُصنع في روسيا. ويبدو أن إيران متورطة في هذه الخطة أيضًا.
تعاون روسي إيراني متزايد
في الواقع، التعاون مع إيران هو ما دفع الكرملين للانخراط بشكل أكثر فاعلية في الصراع اليمني إلى جانب الحوثيين. فبعد أن أصبحت موسكو تعتمد على إمدادات الأسلحة الإيرانية لحربها ضد أوكرانيا، باتت تنجذب بشكل متزايد إلى دائرة نفوذ طهران في الشرق الأوسط، وبدأت بالتالي في دعم حلفاء إيران في المنطقة بشكل نشط.
موقف موسكو من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني
موقف موسكو من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني دال على ذلك. فلم تُدن السلطات الروسية علنًا أبدًا هجمات مسلحي حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر العام الماضي، على الرغم من وجود مواطنين روس بين الرهائن الذين أخذتهم حماس. وبعد أن تبنت فعليًا موقفًا مناهضًا لإسرائيل، تحاول موسكو أيضًا أن تقدم نفسها كزعيم لما يسمى بـ “الجنوب العالمي”: أي جميع أولئك الذين يشعرون بعدم الرضا عن موقف الغرب الذي يدعم إسرائيل.
مكاسب موسكو في المنطقة
ما تحصل عليه موسكو في المقابل هو دعم سياستها من القوى الموالية لإيران في الشرق الأوسط. في 21 فبراير 2022 – قبل ثلاثة أيام من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا – أعرب الحوثيون عن دعمهم للاعتراف بدونيتسك ولوغانسك كجمهوريتين مستقلتين. كما أعرب قادة حماس عن أملهم في أن تؤدي “العملية العسكرية الخاصة” الروسية إلى تشكيل عالم متعدد الأقطاب. وحتى أن حزب الله اللبناني يمد روسيا بمقاتلين للقتال في أوكرانيا مقابل الأسلحة الروسية.
العلاقات الروسية الإسرائيلية
أما بالنسبة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، فإن الكرملين متردد في قطع علاقاته تماماً مع إسرائيل. وفي هذا الصدد، كانت ردة فعل روسيا على الهجمات الإيرانية على الأراضي الإسرائيلية في أبريل مؤشراً: إذ لم تقف موسكو إلى جانب طهران، التي كانت تنتقم من الهجمات على منشآتها في المنطقة، بل اكتفت بالتعبير عن “قلقها البالغ إزاء تصعيد خطير آخر.”
تأثير التقارب الروسي مع الحوثيين
في الصراع اليمني، سيصبح من الصعب بشكل متزايد على الكرملين الحفاظ على مسافة متساوية. حيث سيُظهر تزايد تفاعله مع الحوثيين، وخاصة على المستوى العسكري، تأثيره. وقد رأينا ذلك من قبل: في سوريا في عام 2015، عندما شنت موسكو عملية عسكرية لإنقاذ نظام بشار الأسد؛ في ليبيا، حيث تدعم روسيا المشير خليفة حفتر؛ وفي السودان، حيث ينشط مرتزقة فاغنر على جبهتين في آن واحد، يدعمون كلاً من المجلس السيادي الانتقالي وقوات الدعم السريع المتمردة.
تصعيد محتمل في اليمن
في الوقت الحالي، ما زال وقف إطلاق النار قائماً في اليمن بين الحوثيين والتحالف الذي جمعته السعودية. لكن خطر اندلاع الأعمال العدائية مرة أخرى مرتفع، خاصة بالنظر إلى نشاط الحوثيين في البحر الأحمر. فمنذ نوفمبر 2023، هاجموا أكثر من سبعين سفينة تجارية قالوا إنها مرتبطة بطريقة ما بإسرائيل وحلفائها. وقد تسببت هذه الهجمات في تعطيل طريق كان يحمل حوالي 12% من إجمالي التجارة الدولية، مما أدى إلى تضاعف تكاليف نقل البضائع من آسيا إلى أوروبا أربع مرات تقريباً.
احتمالية التصعيد
تقوم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة (ومؤخراً إسرائيل) بضرب مواقع الحوثيين بشكل دوري. مما يؤدي حتماً إلى وقوع إصابات بين المدنيين ويزيد من خطر حدوث تصعيد جديد.
السيناريوهات المستقبلية
أحد السيناريوهات الأكثر احتمالاً للتطورات المستقبلية هو حملة حوثية جديدة في الجنوب للسيطرة على بقية أراضي البلاد. ولتحقيق ذلك، سيحتاجون إلى دعم جميع حلفائهم القلائل في الخارج، بما في ذلك روسيا.
* نشرة المادة في صحيفة بوليتكو الامريكية