آخر الأخبار

spot_img

معارك الشكل والمضمون

الثوري – كتابات 

مصطفى ناجي

بدا إعلان المبعوث عن تلقيه موافقة مكتوبة من طرف الحكومة اليمنية والحوثيين بالتراجع عن إجراءات خاصة بالقطاع المصرفي والنقل الجوي كأنه إعلان هزيمة بالنسبة لأنصار الشرعية.

طبيعي لأن كثيرًا من الناس متحفزون لمواجهة حادة مع الحوثيين ويرون في المعركة المصرفية اختزالًا لمعركة أكبر شاملة وحاسمة. بمعنى آخر، أن توجه هذا الطرف الشعبي لتسوية الصراع في اليمن مغاير تمامًا للتوجهات الدبلوماسية الإقليمية والدولية التي انخرطت فيها الحكومة.

وهل يمكن أن تمضي الأمور على غير رغبة الشارع؟

ما هو الوقت اللازم لترويض هذا الشارع وما هي التقنيات المدخرة لتنفيذ هذا الترويض؟

حسنًا، التواطؤ في حرمان الشرعية من الموارد، اختطاف القرار اليمني، افتعال مشاكل ونعرات، افتعال أزمات مالية، حروب كلامية، تهيئة الأذهان للانفصال، ترك البلاد بين الحياة والموت.

ثم ماذا بعد؟

بل إن هناك من يرى التفاوض استسلامًا بالتقسيط طالما وحالة المراوحة عالية الكلفة.

الفجوة الكبيرة التي تفصل بين الحكومة والغاضبين كبيرة ومردها غياب تواصل مناسب وغياب اتساق في الأهداف والأدوات. الحكومة لا تلقي بالًا لغضب الناس وتوجهاتهم. بمعنى آخر، إنها لا تعبر عنهم كل التعبير. هذا يترجم القطيعة الحقيقية بين النخب السياسية والبيرقراطية وبين الشعب. أحزاب مستترة، مجتمع مدني هائم وراء فتات المنظمات الدولية ومشاريع بناء السلام، لا توجد قوى سياسية حية، والقوى السياسية – العسكرية منقسمة ولديها حساباتها الخاصة ومرتهنة كليًا للتمويل الخارجي.

لكن لدي بعض الأسئلة حول الاتفاق وحول خلفية الاتفاق.

أولاً، هل كانت الشرعية قادرة على الذهاب إلى نهاية المطاف في إنفاذ قراراتها بسحب السويفت؟

أمامها تحديات داخلية وخارجية. أول التحديات أنها معتمدة كليًا على الدعم الخارجي بالتالي فهي بلا قرار. والثاني أنها منذ عشر سنوات لم تعد بناء المؤسسات المصرفية بشكل كاف. هناك صعوبات فنية. قرار سحب السويفت لا يتعلق بإرادة البنك فقط بل يتعلق بالمؤسسات الدولية التي تدير المعاملات المصرفية الدولية. ماذا لو تقدمت بطلب وقوبل بالرفض؟

لوحت الحكومة بهذه الورقة وظهر أنها ورقة فاعلة. لكن قبل الوصول إليها هناك سلسلة من الإجراءات كان ينبغي العمل عليها، أولها التوافق مع وسط المال والأعمال وتحسين أوعية التحصيل الجمركي والضريبي.

فهل خسرت الشرعية هذه الورقة مستقبلاً؟

أتوقع أن الحوثي سيفعل ما بوسعه لإبطال هذه الورقة. بل إن الاتفاق فيه ما يشير إلى عدم استخدام هذه الورقة.

ثالثاً، الصراع المصرفي مع الحوثي يخفي بعدًا آخر في الصراع بين قوى المال القديمة والجديدة.

رجوعًا إلى الاتفاق. بيان المبعوث مختصر جدًا ورد الحكومة المرحب مخاتل. الاتفاق يتضمن بنودًا أكبر من الصراع المصرفي؛ قطاع النقل، إجراءات مصرفية والعودة إلى مسار المفاوضات الاقتصادية وأهم من هذا تنفيذ خارطة الطريق.

المفاوضون الدوليون يريدون ابتلاع لقمة كبيرة. أو ضربة نرد حاسمة اسمها خارطة الطريق. يجمعون كل الأوراق لتصب في خارطة الطريق.

لكن الشرعية فقدت في الطريق شروطها الثلاثة وقدمت تنازلات غير واضحة ولا تراهن إلا على نية الحوثي واستجابته وربما تدخل الصين. قابل الرئيس العليمي القائم بالأعمال في سفارة الصين قبل يوم من الموافقة.

فهل أصبحت الصين ضامناً للاتفاق وتراجع الدور العماني؟

لا يوجد توضيح لمصير الطائرات المدنية ولا العملة المعدنية ولا العملة الورقية وتوحيدها.

عودة الرحلات وإفراج الحوثي عن الطائرات مكسب لكن الصيغة غامضة.

أسوأ من هذا أن استئناف تصدير النفط مرحل فكيف يمكن تخفيف معاناة الشعب دون موارد؟ هل هناك تعهدات بتمويل مركزي عدن؟

في السياق العام، قصف ميناء الحديدة يجعل الحوثي في هشاشة كبيرة لمدة شهور قادمة. خصوصًا إذا تضرر ميناء الحاويات. سارع الحوثي إلى إخفاء الأضرار والتأكيد على قدرة الميناء على استئناف العمل حتى لا يكشف انكشافه.

الحوثي لا يأتي إلى طاولة المفاوضات إلا وهو عاجز وحينها يمكن انتزاع مكاسب أكبر للشعب اليمني.

الدبلوماسيون الدوليون معنيون بعودة استئناف المفاوضات. وهذه رغبة سعودية ملحة. أي الجميع مهتم بالشكل. لكن الحوثي معني بموضوع ومحتوى المفاوضات نفسها. أما الشرعية فهي معنية بلا أدري ماذا.

لا أريد أن أصب غضبي عليها كما يفعل الكثيرون. أعرف تكتيكات الشرعية في الإفلات من الضغوط بتقديم تنازلات في ظاهرها كبيرة لكنها غير قابلة للتنفيذ إذا استطاعت الثبات عند المستوى الذي تقف عليه. وأعرف أنها تراهن على جشع وحماقة الحوثيين لإفساد أي طبخة مفروضة. لكنها إذ تفعل ذلك قد تزل قدمها شيئًا فشيئًا وأخشى وقوعها من حافة الهاوية التي تقف عليها.