آخر الأخبار

spot_img

“طريق الموت” في أبين.. الجحيم يلتهم أحلام العائدين وعائلات تفنى في نقيل العرقوب

“صحيفةً الثوري” – تقارير:

تقرير : رحاب ناصر

في ساعات الفجر الباردة، تحولت رحلة العودة إلى الوطن، التي طال انتظارها، إلى كابوس أسود، حين ابتلع “نقيل العرقوب” الملتوي في محافظة أبين حافلة نقل جماعي دولية، وحوّلها إلى رماد ومقبرة جماعية. فقد أكثر من 30 مسافراً حياتهم في حادث اصطدام واحتراق مروع، هزّ الجنوب اليمني وكشف مجدداً عن ثمن الإهمال القاتل على “طريق الموت”.

الباص.. من أرض الأحلام إلى فرن الجحيم

كانت الحافلة، القادمة من المملكة العربية السعودية، تكتظ بمسافرين أنهكهم الغياب والشوق، يحملون حقائبهم المليئة بالأمل والذكريات. لكن هذا الأمل تبدد فجأة في منعطف جبلي خطير.
تفيد المعلومات الأولية بأن اصطداماً عنيفاً وقع بين الحافلة الكبيرة ومركبة “فوكسي” صغيرة في النزول الحاد للنقيل. كان الاصطدام بمثابة الشرارة التي أشعلت وقود المأساة؛ فاندلعت النيران بسرعة فائقة، والتهمت المركبتين بضراوة.
لحظات الرعب التالية كانت فاصلة: باب الباص الرئيسي أُغلق بقوة الاصطدام، ليصبح السقف المعدني للمركبة تابوتاً نارياً يحبس عشرات العائدين داخله. المناظر التي رآها الأهالي وعناصر الإنقاذ كانت أبشع من الوصف، حيث تحولت الجثث إلى ركام متفحم يصعب التعرف على هويتهم، في حين لم ينجُ سوى عدد محدود تمكنوا من كسر النوافذ والفرار من لهيب الجحيم.

صرخات الإنقاذ تائهة في وعورة النقيل

الطريق، الذي طالما شكا منه المسافرون والسائقون، أثبت أنه قاتل بامتياز. فبسبب وعورة “نقيل العرقوب” الشاهق وبعد المسافة، تأخر وصول فرق الإطفاء والدفاع المدني، مما ترك النيران تشتعل بلا رادع حتى انطفأت ذاتياً بعد أن أنجزت مهمتها القاتلة. هذه الفاجعة جددت المطالبات بإنشاء مراكز إغاثة قريبة لهذا الطريق الحيوي والخطير.

توجيهات رئاسية.. عزاء متأخر للجرحى

أمام هول الفاجعة، سارعت القيادة السياسية بالتحرك. فقد أجرى رئيس مجلس القيادة الرئاسي، الدكتور رشاد محمد العليمي، اتصالاً بمحافظ أبين ووزير الصحة، موجهاً بـ:
• تقديم الرعاية الكاملة والعلاج المجاني الفوري لجميع المصابين الذين نقلوا إلى مستشفيات عدن.
• مساعدة أسر الضحايا، والتخفيف من وقع الكارثة عليهم.
• إجراء صيانة دورية عاجلة للطرق العامة و”نقيل العرقوب” تحديداً، لتعزيز السلامة المرورية والحد من تكرار هذه المآسي.
كما شدد وزير الدفاع، الفريق الركن محسن الداعري، على ضرورة تنفيذ هذه التوجيهات، مؤكداً متابعة التحقيقات التي ستبحث في الأسباب الفنية والبشرية التي أدت إلى هذه الكارثة المروعة.

طريق العرقوب: سجل من الدماء والإهمال

نقيل العرقوب ليس مجرد طريق، بل هو سجل دائم للحوادث التي تحصد الأرواح. ورغم تكرار المشاريع الهادفة لتوسعة منحنياته الخطيرة وتأهيلها منذ سنوات، فإن التنفيذ البطيء وغير المكتمل جعل منه فخاً دائماً للمسافرين. ويبقى السؤال معلقاً ومؤلماً: كم روحاً أخرى يجب أن تُفقد على هذا الطريق قبل أن يصبح آمناً؟
التحقيقات مستمرة، لكن المؤكد أن أرواح العائدين قد ارتفعت إلى بارئها، تاركة خلفها بيوتاً سادها الحزن ومطالبات بالعدالة والمساءلة لأولئك الذين يتحملون مسؤولية تأمين “طريق الموت”.