صحيفة الثوري- كتابات:
د.فائزة عبدالرقيب
أن تنقطع الكهرباء في العاصمة المؤقتة عدن لأكثر من خمس وعشرين ساعة، فذلك لا يعني خللا فنيا عابرا، بل إعلانا رسميا عن غياب الدولة وانهيار مؤسساتها خاصة وهي تعلم منذ سنوات بمشكلة الكهرباء ومعاناة المواطن دون ان تقدم حلا مستداما لها. فالحكومة التي تعجز عن انارة مدينة، لا تملك القدرة على ادارة وطن.
في عدن، لا يعيش الناس حياة طبيعية، بل يصمدون بين وجع ووجع. لا رواتب منذ اشهر، ولا كهرباء، ولا استقرار في الاسعار. التضخم ينهش ما تبقى من مدخراتهم، والغلاء يلاحق جيوبهم الفارغة بلا رحمة. المواطن يبحث عن بصيص امل في ليل طويل من العجز والخذلان.
وفي الوقت الذي يذبل فيه المرضى في المستشفيات بسبب انقطاع الكهرباء، وتخور قوى الاجساد من الحرّ والانهاك، يجلس كبار المسؤولين في مكاتبهم المكيفة، وربما يُغلق بعضهم التكييف من شدّة البرودة، بينما لا يجد المواطن نسمة هواء تبقيه على قيد الصبر. هذه المفارقة تكشف عن حجم الانفصال بين السلطة والناس، وبين الخطاب الرسمي والواقع المظلم الذي يعيشه المواطنون يوميا.
الاخطر من ذلك، أن مؤسسات الدولة لم تعد تملك قرارها المالي والاداري. فالاطراف التي تحتفظ بالايرادات وترفض توريدها الى البنك المركزي تضع نفسها فوق القانون، وتؤكد أن هيمنة القوة اصبحت اقوى من سلطة الدولة. وما لم تُستعاد وحدة القرار الاقتصادي، فإن الانهيار سيتسع، وستغدو الحكومة مجرد اسم بلا مضمون.
ما يجري في عدن ليس ازمة كهرباء، بل ازمة ضمير وغياب مسؤولية. فحين تفقد الدولة قدرتها على توفير الحد الادنى من مقومات الحياة، تصبح فاقدة لشرعية وجودها. وعدن اليوم تختصر مأساة وطن تاه بين العتمة والعبث، ينتظر دولة حقيقية تنير دربه قبل أن ينطفئ ما تبقى من صبره ويحدث ما لا يُحمد عقباه.