صحيفة الثوري- كتابات:
وسام محمد
“إن واجبنا هو أن نميِّز بدقة اللحظةَ التاريخية التي نعيشها وأن نزجَّ بقدراتنا الصغيرة في معركة محددة”. كازنتزاكي.
بعد ٣ أيام من الحيرة عما يمكن كتابته في ذكرى تأسيس جريدة “الثوري” حاولت أن أتذكر أول علاقة لي بها، للبدء من هناك. فنحن دائما نهرب الى الذاكرة او نعود اليها لنبدأ من جديد. لكن النتيجة لم تكن هي الشيء الذي أردته. مع ذلك لا بأس من البدء من هناك.
كنت طفلا بصحبة والدي مع رفاق من أنحاء اليمن، عقب الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العام الرابع للحزب الاشتراكي اليمني الذي عقد في العام ١٩٩٨. كانوا يخوضون نقاشا حادا، وكانوا مختلفين حول كل شيء تقريبا، وفجأة أتفق الجميع حول شيء واحد: حال الثوري السيئة.
كانت الثوري عبارة عن أربع صفحات، بمحتوى لا يعكس تطلعهم بأن يستعيد الحزب حضوره في المشهد السياسي. الجميع كان يقدم مداخلات غاضبة لم تخلو من شتائم لرئيس التحرير حينها الأستاذ علي الصراري. بل واتهامه بأنه يتعمد إظهار الحزب بتلك الصورة الهزيلة. قال أحدهم: ليذهب كل شيء وتبقى الثوري وسيعود الحزب أقوى من السابق.
لاحقا بدأت اقرأ عمود الدكتور سلطان الصريمي الذي ظل يحمل عنوان “من فوق الدباب”، وكان عبارة عن نقل لنقاشات الناس الذين يصادفهم فوق “الباص”، والتي عادة ما تدور حول قضايا عامة، كان ينقلها بحس ساخر. ودون أن أعرف لم أكن فقط أستمتع بالقراءة، ولكن أيضا أتعلم أول دروس الصحافة: ان تصغي للناس وتنقل همومهم.
في سنوات لاحقة، أصبحت الثوري، بهجة الخميس وطقس الجمعة الجميل. منها بدأ اهتمامي الحقيقي بالسياسة. رفعت الثوري سقف الحرية الى مستوى غير مسبوق. حضرت قضايا الناس البسطاء في قرى بعيدة وحضر النقد اللاذع للسلطات بلا مؤاربة، وكانت اللغة الشعرية وقد تحولت الى صحافة هي مصدر انجذابي الأول ثم تلك الشجاعة في قول الحقيقة وأيضا المخاطرة أمام سلطة ونظام حول البلاد الى مشروع للفيد. بات مفهوما كيف يمكن لصحيفة ان تخلق حزبا، لأن الثوري حينها فعلت ما هو أكثر من ذلك، أعادت الحزب الى واجهة المشهد السياسي واكبت بذور الحركات الاجتماعية، وكانت التعبير الأصدق عن مشروع إئتلاف أحزاب اللقاء المشترك. لم يكن لهذا أن يحدث لو أن الثوري كانت مجرد منشور حزبي يتملق المزاج العام، ولكن لانها كانت بالفعل معمل للديمقراطية التي يجري الحديث عنها نظريا ولانها تعبر عن التطلعات الشعبية بصدق وذكاء. كان رئيس التحرير الاستاذ خالد سلمان يقود عملية تثوير للصحافة اليمنية، فتح جريدته لجميع الصحفيين من مختلف التوجهات، دون شروط أو قيود. ومن هنا تخلق مجتمع من الصحفيين الشجعان، الذين يمزجون الحقائق بالتعبيرات الادبية او الساخرة او المتعاطفة بصدق. ليشكلوا بذلك طليعة مرحلة جديدة سقفها الثورة التي وصلنا اليها في العام ٢٠١١.
في ذكرى تأسيس الثوري، في ظل واقعنا الراهن، ليس التذكر هو كل ما لدينا، ولكن إلى جانب ذلك، لدينا الأمل بأن تعيد الثوري مسك زمام المبادرة، مرة أخرى. واقعنا اليوم صعب ومعقد، لدينا معركة ثورية بلا أدوات ثورية. بمعنى آخر لدينا الظروف التي يجدر بالثوري ان تتواجد في خضمها، لتقود الكلمة من أجل الشعب.