“صحيفة الثوري” – كتابات:
سامي غالب
في زمن تغمره التحديات المحلية والعالمية، وتتشابك فيه المصالح الإمبريالية مع النزعات الرجعية، تبقى الحاجة ماسّة إلى استنهاض الوعي الاشتراكي في اليمن، ليس فقط بصفته إطارًا نظريًا، بل أداة لتحليل الواقع وتغييره. في ذكرى تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني، هذه عشر إضاءات نقدية، مستوحاة من روح الفكر الاشتراكي ومنهجيته العلمية، تستهدف إعادة صياغة الدور الاشتراكي في المشهد اليمني.
الإضاءة الأولى: تمسكوا بجوهر الفكر الاشتراكي ولا تسقطوا أمام دعايات الرجعية
الفكر الاشتراكي ليس مجرد أيديولوجيَا عابرة، بل هو نتاج تطور الفكر الإنساني في مواجهته للاستغلال والهيمنة. ورغم سقوط المعسكر الاشتراكي، فإن الاشتراكية لا تزال نابضة في قلب التحليل الاقتصادي والسياسي الحديث. لقد باتت مقاربات ماركس حول التفاوت الطبقي وديناميات السوق حاضرة حتى في كتابات مفكرين ليبراليين كجوزيف ستيغليتز وتوماس بيكيتي، الذين يعترفون بأن الأسواق الحرة وحدها لا تحقق العدالة. أزمات الرأسمالية، وأبرزها الأزمة المالية العالمية في 2008، أعادت إحياء التحليلات الماركسية، مما يجعل الاشتراكية ضرورة لا رَفَاهيَة لمواجهة الاستغلال العالمي.
الإضاءة الثانية: حدّثوا الاشتراكية وفق مستجدات العصر
لا يمكن للفكر الاشتراكي أن يتجمد عند نصوصه الكلاسيكية، بل يجب أن يُعاد قراءته في ضوء المتغيرات العلمية والتكنولوجية والسياسية. هذا يعني دراسة ماركس وإنجلز ولينين، ولكن أيضًا فهم التحولات التي طرأت على العالم من خلال أعمال مفكرين مثل غرامشي و ماو تسي تونغ، وجورج لوكاش، وسلافي جيجك، و فيدل كاسترو و يانيس فاروفاكيس، ومقارنتها بالتجارب الثورية المعاصرة في العالم العربي وخارجه. ومع ذلك، يجب أن تكون قراءتكم نقدية، تُميز بين ما هو صالح للتطبيق وما تجاوزه الزمن. ما تسقطوا في فخ تقديس النصوص ولا في فخ التقليد الأعمى لتجارب الآخرين، بل صوغوا نموذجًا اشتراكيًا يتناسب مع خصوصية اليمن وتحدياته.
الإضاءة الثالثة: تخطوا العصبيات القبلية والطائفية
الاشتراكية الحقيقية لا تقبل بالتجزئة؛ فهي وطنية، قومية، وأممية في آنٍ واحد. الفصل بين هذه الحلَقات يُفقد الفكر الاشتراكي معناه الإنساني الشامل. لا يمكن أن تكونوا وطنيين إذا غرقتم في العصبية القبلية، ولا أمميين إذا تجاهلتم خصوصيتكم القومية. الاشتراكية تتطلب تجاوز هذه النزعات الضيقة، وتبني رؤية شاملة تُعلي من شأن الكرامة الإنسانية.
الإضاءة الرابعة: ارفضوا جميع أشكال الهيمنة والاستغلال
سواء كان الاستغلال اقتصاديًا، أو الهيمنة استعمارية، أو الهيمنة داخلية عبر الولاية الكهنوتية أو الهيمنة قبلية وجهوية عبر النزعات الانفصالية، فإن الاشتراكية تتمسك بمبادئ الحرية، والعدالة، والوحدة. لا يمكن للاشتراكي أن يقبل بأي شكلٍ من أشكال الظلم، سواء أتى من الخارج مباشرة أم من الداخل المدعوم من الخارج.
الإضاءة الخامسة: تعلّموا من أخطاء الماضي
تاريخ الحركة الاشتراكية اليمنية مليء بالدروس، بعضها مشرّف وبعضها مرير. يجب أن تواجهوا أخطاء الماضي بشجاعة، دون الوقوع في فخ التقديس أو الإنكار. النقد الذاتي هو أساس أي تقدم، ولكن يجب أن يكون نقدًا بناءً، يتجاوز جلد الذات ويفتح آفاقًا أوسع للتغيير.
الإضاءة السادسة: اِقْرَؤُوا تاريخكم بوعي نقدي
لا يمكن للاشتراكي أن يجهل تاريخ شعبه. فالتاريخ اليمني غني بالدروس والتجارب، ولكنه أيضًا مثقل بالتشوهات التي زرعتها النزعات القبلية والطائفية والصراعات السياسية الضيقة. يجب أن تُعاد قراءة هذا التاريخ بعقلية نقدية تستخلص العِبر، وتتحرر من الرواسب التي خلفتها القُوَى الإقطاعية والاستعمارية.
الإضاءة السابعة: انهضوا من حالة الإحباط
الهجمة الرجعية والإمبريالية ليست السبب الوحيد لحالة الإحباط التي أصابت الاشتراكيين، بل هناك أيضًا عفوية الأخطاء الداخلية التي قادت إلى التراجع. ومع ذلك، فإن الاشتراكي الحقيقي لا يستسلم لليأس. تمسكوا بالنقد الذاتي، ولكن دون أن تفقدوا الأمل في قدرتكم على التغيير.
الإضاءة الثامنة: انفتحوا على تجارِب الشعوب الأخرى
تجارِب الشعوب التي نهضت رُغم الاستعمار والظلم تقدم دروسًا ملهمة. الصين وجنوب أفريقيا، وكوبا، وفيتنام، والبرازيل، والهند، كلها أمثلة على شعوب استطاعت التغلب على التحديات وتحقيق التقدم. دراسة هذه التجارِب لا تعني تقليدها، بل الاستفادة منها لصياغة نموذج يمني خاص.
الإضاءة التاسعة: واجهوا الهويات الشوهاء
الاشتراكية ليست شعارًا أجوف، بل هي وعي يتطلب مواجهة الهويات المزيفة التي تُغذي النزعات الطائفية والانفصالية. لا يكفي أن ترفعوا الشعارات، بل يجب أن تعملوا على ترسيخ الوعي الاشتراكي بين الشباب والشابات، وتنظيمهم على أسس عقلانية ووطنية.
الإضاءة العاشرة: ارفضوا العدوان الخارجي بكل أشكاله
العدوان الإمبريالي، سواء جاء من قُوَى إقليمية أو عالمية، لا يهدف إلا إلى تقسيم اليمن واستعباده. الاشتراكي الحقيقي لا يمكن أن يقبل بهذا العدوان على وطنه، بصرف النظر عن هُوِيَّة الحاكم اليمني أو انتمائه السياسي. إصلاح الخلل السياسي في اليمن هو مهمة داخلية لا يمكن أن تُنجز عبر التدخل الأجنبي، الذي يسعى دائمًا لتحقيق مصالحه على حساب سيادة الوطن.
ختامًا: الاشتراكية كفعل تحرري
إنّ الاشتراكية ليست مجرد نظرية تُقرأ في الكتب، بل هي فعل تحرري، يبدأ من الوعي وينتهي في الميدان. على الاشتراكيين اليمنيين أن يدركوا أن مستقبل اليمن لن يُكتب إلا بأيدي أبنائه، وأن التمسك بالمبادئ الاشتراكية هو السبيل لبناء وطنٍ قائم على العدالة والحرية والوحدة.
الخلود لثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين، ولذكرى تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني، والسلام لأرواح الشهداء الأبرار.