“صحيفة الثوري” – كتابات:
اللواء: علي حسن زكي
لم تحظَ ثورة الرابع عشر من أكتوبر، منذ العام 1990م وحتى هذا العام، باحتفالاتٍ وحضورٍ جماهيريٍّ مليونيٍّ حاشد، ولا بتغطيةٍ سياسيةٍ وإعلاميةٍ ومقابلاتٍ وذكرياتٍ لمناضلين، وأحاديثَ لسياسيين ومثقفين من مختلف ألوان الطيف الوطني، وحضورٍ مائزٍ في الذاكرة الوطنية كما حظيت به هذا العام، تأكيداً على أصالتها كثورةٍ تحرريةٍ واجهت أعتى إمبراطوريةٍ عرفها التاريخ، لا تغيب عن مستعمراتها الشمس.
لقد مثّلت ثورة أكتوبر امتداداً وطنياً وتاريخياً لنضالات وتضحيات شعب الجنوب وقواه الحيّة، منذ مقاومة أبناء عدن ولحج للغزو البريطاني في ﴿قلعة صيرة﴾التاريخية يوم 19 يناير 1839م، مروراً بالاعتصامات والإضرابات العمالية والطلابية في المدينة، والتمردات والانتفاضات في الريف، وصولاً إلى انطلاقة ثورة 14 أكتوبر عام 1963م المجيدة، كمحطةٍ زمنيةٍ تاريخيةٍ فارقة بين زمنين: زمنٍ استعماريٍّ وآخر تحرريٍّ، انطلقت من جبال ردفان الشمّاء بقيادة الجبهة القومية ومشاركة بقية الفصائل التحررية، وفي مقدمتها جبهة التحرير والتنظيم الشعبي للقوى الثورية.
لقد روى الشهيد البطل راجح بن غالب لبوزة بدمه الطاهر أرض جبال ردفان/الجنوب، كأول شهيدٍ للثورة والجبهة القومية، باعتباره أحد مؤسسيها وأحد أبرز قادة تشكيل القبائل الذي تأسست منه –ومن تنظيم الضباط الأحرار وجبهة الإصلاح اليافعية وفصائل جنوبية أخرى– الجبهة القومية في أغسطس 1963م، عشية انطلاقة الثورة.
إن الثورة، وبعد مرحلة كفاحٍ مسلحٍ في الريف، وعملٍ فدائيٍّ في المدينة استمر لمدة أربع سنوات، قد حققت الاستقلال يوم 30 نوفمبر 1967م، وبالاستقلال تم توحيد أكثر من (23) سلطنةً ومشيخةً وإمارةً وعدن في كيانٍ وطنيٍّ ودوليٍّ جنوبيٍّ واحد.
إن هناك من يحتفلون بثورة أكتوبر ويرفعون علمها/علم الجنوب، ويتحدثون عن “الجنوب العربي”!
وهناك من سيحتفلون بذكرى الاستقلال ويشككون به، طالما يتحدثون زوراً وبهتاناً أن بريطانيا اختارت الجبهة القومية لتسليمها الاستقلال لأنها مرتبطة بها!.
وهناك من يتمسكون باستعادة الدولة الجنوبية التي تم الدخول بها الوحدة، وهي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، ويتحدثون في الوقت نفسه عن استعادة “دولة الجنوب العربي”، في خطابٍ مزدوجٍ يقول الشيء ونقيضه في آنٍ واحد.
إن كل ذلك لن يغيّر شيئاً من حقائق التاريخ، ولا من كون الجبهة القومية هي رائدة الكفاح المسلح، وأن دولة الجنوب التي تم إعلانها وقيامها يوم الاستقلال كانت –في عهد حكم الجبهة القومية وامتدادها الحزب الاشتراكي اليمني– دولة مؤسساتٍ ونظامٍ وقانونٍ وعدالةٍ اجتماعيةٍ ومواطنةٍ متساويةٍ ووظيفةٍ عامة، لا مكان فيها للبسط والاستيلاء على أراضي الدولة والمواطنين، حدّ محاولات البسط على إحرام القرى، ولا لقضم الجبال وردم السواحل ومضايقة المتنفسات والحدائق وملاعب الأطفال، ولا للعبث بالمناطق الأثرية والتاريخية وتغيير معالمها الثقافية والحضارية في مدينة عدن الأبية، عاصمة دولة الجنوب التاريخية.
لم يكن فيها بيعٌ وانتشارٌ للسلاح في المدن، ولا فسادٌ أو احتيالٌ أو عبثٌ بالمال العام، طالما كانت اليد التي ستمتد إليه تُقطع دون تردد.
كانت دولة عدالةٍ اجتماعية، ومواطنةٍ متساوية، ووظيفةٍ عامة، ومساواةٍ بين المرأة وأخيها الرجل، وتعليمٍ متطور، واهتمامٍ بالشباب والنشء، ورياضِ أطفال، وصحةٍ مجانية، وسيادةٍ وطنية، وأمنٍ واستقرار.
دولةُ تدفّقٍ للبضائع والسلع، ومخزونٍ استراتيجيٍّ يؤمّن توافرها في السوق وثبات أسعارها بما يتناسب مع متوسط دخل الفرد، وتنميةٍ مستدامةٍ وبنيةٍ تحتيةٍ راسخة… والقائمة تطول.
يكفي أن المواطن اليوم صار يصف الماضي بـ “الزمن الجميل”…