آخر الأخبار

spot_img

رسالة رفاقية في عيد الثورة وذكرى التأسيس

“صحيفة الثوري” – كتابات:

شوقي نعمان

الرفاق الأعزاء،

أبعث إليكم أحرَّ التحايا وأصدق التهاني بمناسبة الذكرى الثانية والستين لانطلاقة ثورةٍ عظيمةٍ هي ثورة 14 أكتوبر المجيدة، وبمناسبة الذكرى السابعة والأربعين لتأسيس الحزب الاشتراكي اليمني، هذه المدرسة النضالية التي صاغت فيما مضى حياة أجيالنا، وآمنت بمستقبلٍ آخر ممكنٍ وعادل.

لقد هزمت الثورةُ المستحيل، ودحرت الاحتلال، وأوقدت في نفوسنا عشقَ التحرر والاستقلال، والأملَ بمستقبلٍ حرٍّ وكريم. إن الحزبَ، بصلابته وقيمه، اجترح المستعصي؛ فقضى على ثقافة الثأر، وأرسى أسس المواطنة الحقيقية، وكفل المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق، وشرّع القوانين الضامنة، وسعى بلا كلل نحو العدالة الاجتماعية — من التعليم المجاني إلى الرعاية الصحية، ومن دعم لقمة العيش إلى رعاية الطفل، ومن الاهتمام بالثقافة والكتاب إلى غيرها من المبادرات التي لا يتّسع المقام لذكرها كلها.

هل يوجد حزبٌ كهذا في منطقتنا، من الخليج إلى المحيط؟
هذا التساؤل ليس مبالغة، بل هو واقعٌ استثنائيٌّ، خصوصًا حين يولد هذا التفرد وسط بيئةٍ ظلاميةٍ متخلفةٍ تقاوم كل ازدهار.

ثورتانا — 26 سبتمبر و14 أكتوبر — ليستا حادثتين تاريخيتين فحسب، بل مشروعان كبيران أعادا لهذا الشعب اعتباره ومجده، ومثّلتا منارةً لحركات التحرر في الوطن العربي والعالم.
لقد كان الحزب الاشتراكي وما يزال مدرسةً ومنهجًا وقيمًا نضاليةً أنتمي إليها، وأفتخر بما منها نلت، ونُحِت في وجداننا، وأحسُّ به في كل انتصارٍ وكل ألمٍ يسكنني وأسكنه.

هذا الحزب انحاز للفقراء والكادحين، حمل همومهم، ورحل قادته الكبار بأيدٍ نظيفةٍ وركائز مبدئية، رموزٌ لم يعرفوا الفساد، بل تركوا آثارًا من التزامٍ وكرامة.

وإذ نتذكر ذلك الماضي الزاهي، لا بد أن نعترف بأن كثيرًا مما تحقق أصبح اليوم أثرًا بعد عين.
الواقع الذي نعيشه مؤلم: تراجعٌ حضاري، وتفككٌ اجتماعي، وتصاعدُ عصبوياتٍ صغيرةٍ أضرّت بالوطن ومستقبله. الحرب الطويلة المدمّرة — عشر سنواتٍ من الكوارث — أفرزت مخرجاتٍ خطِرةً لا تقود إلى بناء، بل إلى إجهاض أحلامنا ومصادرة مستقبل هذا الوطن.

نرى اليوم قوىً ومصالحَ خارجيةً وداخليةً تتبارى على الوطن، وكم يبدو الوطنُ غائبًا عن أولويات هذه الحسابات! وما يزيد الطين بلّة أن ثروات البلاد تُستخدَم لتعميق الانقسام لا لتوحيده؛ فتتحوّل إمكاناتُ النهوض إلى أدواتِ تمزيقٍ وكراهيةٍ مستثارة.

لم تُجهض آمالَنا الجغرافيا، بل أجهضها من تعاقب على السلطة من فشلٍ وفسادٍ وتقصيرٍ في إدارة الشأن العام — من تعليمٍ متخلفٍ إلى نخبٍ مهزوزةٍ خذلت شعبها.
لذلك، لا خلاصَ إلا بتجاوز العصبويات الجهوية والطائفية والفئوية؛ فلا مستقبل للوطن إذا بقيت قيمُ المصلحة الضيقة فوق مصلحة الوطن الجامعة.

الإجابة على سؤالنا التاريخي:
هل نُعيد ما فقدنا؟ هل نستعيد دور الحزب ولمعانه؟
هي: نعم، ولكن بشروطٍ واضحة — بنفسٍ جديدٍ، وبإرادةٍ سياسيةٍ حيّةٍ تضع مصلحة اليمن الكبرى فوق كل اعتبار، وتعمل بخارطة طريق تحفظ الوحدة والجمهورية، وتضمن المواطنة والديمقراطية والتداول السلمي للسلطة، وتُكرّس لامركزيةً حقيقيةً تمنح الحكم المحلي صلاحياتٍ واسعةً تدفع بعجلة التنمية من القاعدة إلى القمة.

المستقبل الذي نبتغيه أقلُّ كلفةً وأكثرُ أمانًا من سيناريوهات التشظي والاقتتال، وهو ممكنٌ طالما وُجدت الإرادةُ السياسية الحقيقية والرؤية التي تستبعد مخاطر الانقسام وتمنع مزيدًا من الخراب.
إن الحلول متاحة، والسبيلُ واضح، لكن يلزمنا قرارٌ جريءٌ وشجاعةٌ تاريخيةٌ للعمل.

فلنقف جميعًا معًا —شمالًا وجنوبًا، شرقًا وغربًا— ضد كل ما يفسد نسيج الوطن.
لنُعطِ الأولوية للمصلحة الوطنية الجامعة، لا لمصالح جماعاتٍ أو عصبوياتٍ قبل الدولة.
لنُقوِّ المؤسسات، وننهض بالتعليم، ونُعيد ثقة الناس في نُخَبٍ وطنيةٍ تضع الحلم الوطني فوق الكل.

في ذكرى ثورتين صنعتا مجدنا، نُجدّد العهد للشهداء الأبرار، ونؤكد أن النصرَ لليمن الواحد، وأن المجدَ لثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وأن الخلودَ لدماء الشهداء وأرواح المناضلين.

تحيةُ وفاءٍ للرفاق والرفيقات، وعزمٌ لا يلين على الاستمرار في طريق التحرر والكرامة.

النصرُ لليمن الواحد
المجدُ للثورتين: 26 سبتمبر و14 أكتوبر