“صحيفة الثوري” – كتابات:
يونس عبدالسلام
في جزءٍ مني أنا اشتراكي، كأنني منذ الأزل جئت أبحث عن طريقٍ يبعدني عن الفردية الباردة ووحشة العزلة، العزلة التي أحبها، ولا تساعدني في أن أكون اشتراكياً حقيقياً.
اخترتُ الرفاق، فضّلتهم عمّا أُريد لي أن أكون، لا بتعصّبٍ وانغلاق، بل برؤيةٍ للعدل والمساواة تشبه الروح المتمرّدة التي تبحث عن الحقيقة في عالمٍ متغيّر.
كان قراراً، أو حاجةً بالأصح، جاءت كامتدادٍ فطري لصوتٍ في كلّ واحدٍ منّا، حاجة أن تكون جزءاً من كلٍّ، من حركةٍ جماعية تسعى لتحرير الإنسان من قيود الظلم والاستغلال.
في البدء أمسكت بيدي رفيقةٌ ما، أهدتني كتاباً، وكانت تعرف ما تُهدي. لم تكن صدفةً أن يكون الكتاب هو رواية «جي»، كانت تعلم أنني بحاجةٍ إلى التدقيق في شغبي وصخبي؛ في صفحات الرواية صورة الإنسان المتمرّد، الثائر الذي لا يخاف من الحلم، والذي يقف وجهاً لوجه أمام النظام.
ذهبتُ متحمساً، كان انتماءً إلى طليعةٍ من المؤمنين بأن العدل الاجتماعي ليس حلماً، بل حقٌّ يجب أن يُنتزع. لاحقاً، سأواجه ماركس وأشتبك مع رؤاه وأفكاره، أحياناً بحثاً عن منفذٍ لفتح حديثٍ وطلب موعدٍ غرامي.
الاشتراكية، كما تعلمتُها، ليست مجرّد فكرةٍ اقتصادية، إنها مشروع حياةٍ وحبّ، مشروعٌ ينبع من الإحساس العميق بكرامة الإنسان، برفض أن يُستغلّ البشر من أجل أرباحٍ قليلة تُجمع على حساب آلام الناس البسطاء.
كنتُ اشتراكياً من قبل أيضاً، حتى وحلقات القرآن تؤهّلني لأكون رجل دين، كنتُ أرفض السكوت والسكون. وأن تكون اشتراكياً يعني ببساطة أن ترفض السكون، أن تختار الوقوف ضد الظلم، ولا تكتفي بالمشاهدة.
إيماني بأن النظام الذي يقوم على الطبقية والفوارق الجائرة ليس إلا نظاماً عابراً، وأن التغيير قادمٌ مهما كان البؤس.
يبطش عبدالملك بأحلامنا، جنوده يخنقون المدينة حولنا، وأحلامٌ ترصّع قلبي بنجوم جيفارا، تركل سوداويتي وتغنّي. كانت تلكم الرفيقة أيضاً نجمةً حمراء أخيرة، سقطت إلى قلبي.
لمستُ الجزء المذكور أعلاه، الجزء الذي اختار أن يكون اشتراكياً. يونس القلق الغاضب يوشك أن يصير جزءاً من حركةٍ لا تعرف الراحة، تُدرك أن العالم لن يُصلح نفسه.
في النهاية، كلّ الطرق تقودنا إلى صراعٍ لا مفرّ منه. ماركس، الذي قال يوماً: «التاريخ كله ليس إلا صراع الطبقات»، لم يكن يُبشّر فقط بنظريةٍ اقتصادية، بل بقدرٍ لا مهرب منه، حيث ستنهار الأنظمة الطبقية تحت وطأة وعي الجماهير.
جاء لينين ليقول: «الثورة ليست حفلة شاي»، بل فعل إرادة، فعلٌ عنيف يُعيد توزيع السلطة، ويكسر قيود الاستغلال.
عبدالفتاح إسماعيل، في أرض الجنوب من البلاد، رأى أن الاشتراكية هي السبيل الوحيد لتحرير الفقراء، صرخ: «لن نبني المستقبل على أنقاض الماضي، بل سنصنع حاضراً لا يموت». وكان رفيقه جار الله عمر يؤمن أن الكفاح السلمي هو الأمل المتبقي للعالم: «لا سلاح يعلو فوق إرادة الناس».
لكن في كلّ هذا، لا يجب أن ننسى أن الثورة لا تُقاس بالدماء، بل بما تحمله من حبّ. ثورة الحبّ والعدل التي تُغنّي في أروقة العقل والقلب، التي تصرخ في وجه الجشع والطغيان، صوتٌ لا يتوقّف، ليس فقط ضد النظام، بل ضد الفردية، ضد الانعزال، ضد كلّ ما يقتل إنسانيتنا.
إننا هؤلاء، ورثة هذه الفكرة المعجونة بغضب ماركس، وشجاعة لينين، وعزيمة عبدالفتاح إسماعيل، ورؤية جار الله عمر. نحن أبناء هذا الصراع الدائم.
لا استسلام، حتى والنجوم تتساقط، والمدينة كومة خراب، والرفاق حائرون، والراية ترفرف متعبةً كطائرٍ جريح، حتى والعالم يبتلع نفسه، ما زلنا في كلّ مكان، ما زال الحلم يمشي ولو بأقدامٍ مكسّرة.