“صحيفة الثوري” – “فوربس”:
مهند أنسي*
بلغة الأرقام، لم تعد كرة القدم مجرد لعبة تُحسم في المستطيل الأخضر، بل أصبحت ساحة استثمارات ضخمة يقودها مدربو كرة القدم الأكثر إنفاقًا خلال العقد الماضي. لم يعودوا مجرد مدربين يضعون الخطط ويصدرون التعليمات من على الخط؛ بل تحولوا إلى مهندسي إمبراطوريات كروية تتدفق فيها المليارات. وخلال العقد الأخير، تغيّر وجه اللعبة ومعه تغيّر دور المدرب، من صانع تكتيك إلى صانع قرار، ومن مدير فني إلى رجل أعمال يُدير استثمارات ويتحكم في مصير أندية ويتحدى نفوذ المُلّاك.
أصبحت فترات الانتقالات ساحات صراع مالي مفتوح، تتقاطع فيها الرؤية والطموح والمخاطرة. صفقات قياسية أعادت بناء أندية من الصفر، ورهانات جريئة قلبت الموازين وأشعلت المنافسة بين الكبار. في عالم اليوم، لم يعد مقعد المدير الفني مجرد خط أمام الملعب، بل مركز قيادة تتحكم في المال والشهرة والضغوط في آنٍ واحد.
ومع إسدال الستار على سوق الانتقالات الصيفية لعام 2025، تكشف بيانات Transfermarkt عن المدربين الخمسة الذين أنفقوا أكثر من غيرهم خلال العقد الأخير — أولئك الذين حوّلوا سوق اللاعبين إلى مزيج من الفن والتجارة، وإلى ساحة تُدار فيها الموهبة بالعقل والمال معًا. فمنذ موسم 2015/2016 وحتى الصفقات القياسية لهذا العام، لم يكن هدفهم مجرد التتويج بالألقاب، بل إعادة رسم خريطة كرة القدم الحديثة وتغيير قواعدها المالية إلى الأبد.
1. بيب غوارديولا (54 عامًا)
النادي الحالي: مانشستر سيتي
الأندية التي درّبها بين 2015 و2025: ناديان
عدد اللاعبين الذين تعاقد معهم: 71
إجمالي الإنفاق: 2.41 مليار دولار
الجنسية: إسباني
يتصدّر الإسباني بيب غوارديولا قائمة أكثر المدربين إنفاقًا في عالم كرة القدم خلال العقد الأخير، بعدما أعاد رسم ملامح اللعبة الحديثة، وغيّر قواعد سوق الانتقالات إلى الأبد. فعلى مدى السنوات العشر الماضية، قاد غوارديولا كلاً من بايرن ميونيخ ومانشستر سيتي، وأشرف على ضم 71 لاعبًا عبر صفقات مدفوعة، إلى جانب خمس صفقات مجانية لم تكلّف الناديين أي إنفاق مباشر.
وخلال ثلاثة مواسم قضاها مع العملاق البافاري، أبرم غوارديولا 17 صفقة، بينها 14 مقابل رسوم انتقال، بإجمالي إنفاق بلغ نحو 242 مليون دولار. غير أن انتقاله إلى مانشستر سيتي عام 2016 شكّل نقطة تحوّل حقيقية في مسيرته، وبداية عهد مالي جديد في كرة القدم الإنجليزية. فمنذ توليه قيادة “السيتيزنز”، أبرم 70 صفقة، بينها 65 بصفقات مدفوعة، ليرتفع إجمالي إنفاق النادي تحت قيادته إلى نحو 2.3 مليار دولار.
استثمارات هائلة أعادت بناء الفريق من الصفر، وصنعت منظومة كروية متكاملة هيمنت على البطولات المحلية، وتوّجت بمجد قاري حين قاد غوارديولا مانشستر سيتي إلى لقبه الأول في دوري أبطال أوروبا. وهكذا رسّخ مكانته كمدير فني استثنائي يجمع بين الرؤية التكتيكية الدقيقة والبصيرة الاستثمارية، وكأحد أبرز صُنّاع التحوّل في تاريخ اللعبة الحديثة.
2. دييغو سيميوني (55 عامًا)
النادي الحالي: أتلتيكو مدريد
الأندية التي درّبها بين 2015 و2025: نادٍ واحد
عدد اللاعبين الذين تعاقد معهم: 64
إجمالي الإنفاق: 1.6 مليار دولار
الجنسية: أرجنتيني
منذ توليه قيادة أتلتيكو مدريد في أواخر عام 2011، أعاد الأرجنتيني دييغو سيميوني تشكيل هوية النادي، محولًا إياه من فريق طموح إلى أحد أكثر الأندية صلابة وتنافسية في القارة الأوروبية. وخلال العقد الأخير، أشرف على 82 صفقة، بينها 64 مقابل رسوم انتقال، بإجمالي إنفاق بلغ 1.6 مليار دولار.
عرف سيميوني كيف يمزج الانضباط الدفاعي بالواقعية التكتيكية، لا في الملعب فحسب، بل أيضًا في سوق الانتقالات، حيث بنى تشكيلات متوازنة قادرة على مجاراة عملاقي إسبانيا، ريال مدريد وبرشلونة، رغم تفوقهما المالي الدائم. وبفضل فلسفته الصارمة ونهجه القائم على العمل الجماعي، نجح في قيادة أتلتيكو لتحقيق الدوري الإسباني والحفاظ على مكانته بين نخبة الأندية الأوروبية.
ورغم أن حلم التتويج بدوري أبطال أوروبا لا يزال مؤجلًا، فإن سيميوني — الذي يمتد عقده الحالي حتى 30 يونيو/ حزيران 2027 — يواصل إعادة بناء فريقه بخطى ثابتة، ليبقى أتلتيكو تحت قيادته نموذجًا للاستمرارية والتحدي، وأحد أبرز المشاريع الكروية المستقرة في كرة القدم الحديثة.
3. ماسيميليانو أليغري (58 عامًا)
النادي الحالي: أي سي ميلان
الأندية التي درّبها بين 2015 و2025: ناديان
عدد اللاعبين الذين تعاقد معهم: 70
إجمالي الإنفاق: 1.6 مليار دولار
الجنسية: إيطالي
يُعد الإيطالي ماسيميليانو أليغري أحد أكثر المدربين ثباتًا وتأثيرًا في كرة القدم الإيطالية خلال العقد الأخير. ومنذ توليه قيادة أي سي ميلان في يوليو/ تموز 2025 بعقد يمتد حتى يونيو/ حزيران 2027، يواصل أليغري مسيرته الطويلة التي كرّسها لتطوير عملاقي الكرة الإيطالية، ميلان ويوفنتوس، عبر إدارة فنية متزنة واستراتيجية انتقالات محكمة.
خلال السنوات العشر الماضية، أشرف أليغري على 70 صفقة بين الناديين، بإجمالي إنفاق بلغ نحو 1.6 مليار دولار. ورغم أنه لم يدرّب خارج حدود بلاده، فإن بصمته المحلية كانت كفيلة بجعله أحد أبرز الأسماء في أوروبا. فقد عاش مع يوفنتوس فترة هيمنة مطلقة، قاد خلالها الفريق إلى خمسة ألقاب متتالية في الدوري الإيطالي بين مواسم 2014/2015 و2018/2019، ما رسّخ مكانته كأحد أنجح المدربين في تاريخ الكالتشيو الحديث.
واليوم، يعود أليغري إلى ميلان بخبرة تراكمت عبر عقد من البطولات والإدارة الذكية، ساعيًا إلى إعادة النادي إلى قمة المجد المحلي والأوروبي، وإلى مواصلة إرثه كرمز للاستقرار والانضباط في عالم تتسارع فيه وتيرة التغيير.
4. أنطونيو كونتي (56 عامًا)
النادي الحالي: نابولي
الأندية التي درّبها بين 2015 و2025: أربعة أندية
عدد اللاعبين الذين تعاقد معهم: 54
إجمالي الإنفاق: 1.4 مليار دولار
الجنسية: إيطالي
يُعد أنطونيو كونتي أحد أكثر المدربين الإيطاليين إنجازًا وتأثيرًا في كرة القدم الأوروبية الحديثة. ومنذ توليه قيادة نابولي في يوليو/ تموز 2024 بعقد يمتد حتى يونيو/ حزيران 2027، يواصل كونتي ترسيخ صورته كمدير فني صارم يطالب بالكمال داخل وخارج الملعب، ويملك بصمة واضحة أينما حلّ.
على مدار العقد الأخير، تنقّل كونتي بين أبرز أندية أوروبا — من يوفنتوس إلى تشيلسي، ثم إنتر ميلان وتوتنهام هوتسبير، وصولًا إلى المنتخب الإيطالي — تاركًا وراءه أثرًا تكتيكيًا وشخصيًا لا يُمحى. وخلال تلك الفترة، أشرف على 54 صفقة انتقال بلغ مجموع إنفاقها نحو 1.4 مليار دولار، في إطار فلسفته القائمة على بناء الفرق من الأساس وصياغتها وفق رؤيته الخاصة.
وسجل كونتي حافل بالألقاب؛ إذ قاد تشيلسي للتتويج بالدوري الإنجليزي الممتاز موسم 2016/2017، وتوّج مع إنتر ميلان بلقب الدوري الإيطالي موسم 2020/2021، قبل أن يعيد نابولي إلى منصة التتويج في موسم 2024/2025. إنجازات تؤكد أنه مدرب لا يكتفي بالمنافسة، بل يصنع ثقافة الفوز أينما ذهب، ويحوّل الانضباط إلى لغة نجاح تُكتب بحروف من ذهب في سجل الكرة الأوروبية.
5. توماس توخيل (52 عامًا)
المنصب الحالي: المدير الفني لمنتخب إنجلترا
الأندية التي درّبها بين 2015 و2025: أربعة أندية
عدد اللاعبين الذين تعاقد معهم: 43
إجمالي الإنفاق: 1.39 مليار دولار
الجنسية: ألماني
يُعد الألماني توماس توخيل أحد أبرز العقول التدريبية في كرة القدم الأوروبية خلال العقد الأخير، إذ تولّى قيادة مجموعة من أكبر الأندية في العالم، من بينها بوروسيا دورتموند وباريس سان جيرمان وتشيلسي وبايرن ميونيخ، قبل أن يُعيَّن هذا العام مديرًا فنيًا لمنتخب إنجلترا.
ورغم أن العمل مع المنتخبات يختلف عن عالم الأندية ولا يتضمن إنفاقًا في سوق الانتقالات، فإن المسيرة التدريبية لتوخيل في العقد الماضي شهدت إشرافه على 43 صفقة انتقال، بإجمالي إنفاق بلغ نحو 1.39 مليار دولار.
تميز توخيل بقدرته على إعادة تشكيل الفرق بسرعة، وابتكار حلول تكتيكية جعلته دائمًا في طليعة المدربين الأوروبيين. فمسيرته تُترجم بالبطولات؛ فقد توّج بلقب الدوري الفرنسي مرتين مع باريس سان جيرمان (موسمي 2018/2019 و2019/2020)، وقاد تشيلسي للتتويج بدوري أبطال أوروبا موسم 2020/2021، قبل أن يحصد معه لقبي السوبر الأوروبي وكأس العالم للأندية في العام التالي. كما أضاف لقب الدوري الألماني إلى سجله مع بايرن ميونيخ في موسم 2022/2023، ليؤكد مكانته كأحد أكثر المدربين كفاءة وواقعية في كرة القدم الحديثة.
ما بين الأرقام والإنجازات
في عالم كرة القدم الحديثة، حيث تتصدر الصفقات المليارية المشهد وتُقاس الطموحات بحجم الإنفاق، يبرز عدد من المدربين الذين أثبتوا أن المجد لا يُشترى دائمًا بالأموال، بل يُصنع بالعقل والخبرة والرؤية الفنية.
فالمدرب البرتغالي المخضرم جوزيه مورينيو، 62 عامًا، الذي يتولى حاليًا تدريب بنفيكا، يحتل المركز الثاني عشر في قائمة الأكثر إنفاقًا، بعدما أبرم 56 صفقة تجاوزت قيمتها الإجمالية 1.14 مليار دولار خلال العقد الأخير.
أما الألماني يورغن كلوب، المدير الفني السابق لـ ليفربول والذي يقضي حاليًا فترة راحة تدريبية، فيأتي في المركز الرابع عشر بإنفاق بلغ 1.11 مليار دولار على 31 لاعبًا فقط، ليؤكد من جديد فلسفته القائمة على تطوير المواهب وبناء الفرق من الداخل بدلًا من الركون إلى الصفقات الضخمة.
وفي المقابل، يواصل الإيطالي الأسطوري كارلو أنشيلوتي، المدير الفني الحالي لمنتخب البرازيل، كتابة فصل جديد في مسيرته المذهلة، رغم احتلاله المركز السابع عشر بإنفاق بلغ 922 مليون دولار فقط على 35 لاعبًا. وهو دليل واضح على أن النجاح المستدام لا يرتبط دومًا بحجم الإنفاق، بل بحنكة من يعرف كيف يوظف كل قطعة في منظومته الكروية.
*مترجم ومحرر لدى فوربس الشرق الأوسط. لدي خبرة تتجاوز 7 سنوات في الترجمة الصحفية والوثائقية، حيث عملت سابقا في وكالة الأنباء الإسبانية (إيفي)، ووكالة أنباء الإمارات (وام)، وناشيونال جيوغرافيك أبوظبي.