“صحيفة الثوري” – كتابات:
جاكي خوري *
خطة ترامب لوقف إطلاق النار في قطاع غزة تضع حماس أمام أكبر معضلة منذ اندلاع الحرب. من جهة، الموافقة على خطة ترامب تعني تسليم الورقة الأخيرة التي بين يديها، المخطوفين الإسرائيليين، والاعتماد على الرئيس ترامب والإدارة الأمريكية والمجتمع الدولي لتنفيذ انسحاب عسكري إسرائيلي كامل من القطاع ووضع قوة متعددة الجنسيات إلى حين تأهيل قوة فلسطينية بديلة. كل ذلك بدون تفسير جدول زمني واضح، وما إذا سيكون جدول بدون آلية تنفيذ واضحة لإعادة إعمار القطاع، وبدون أي مؤشر على بداية عملية سياسية.
من جهة أخرى، رفض الخطة المقترحة سيوفر لإسرائيل، بدعم أمريكي، ذريعة لمواصلة سحق متواصل لما تبقى من القطاع، حتى بثمن حياة المخطوفين الإسرائيليين، إلى أن يتحول احتلال غزة إلى حقيقة واقعة، مع مزيد من آلاف القتلى والجرحى، والمزيد من التدمير والإبادة.
بالنسبة لحماس، وفي الواقع بالنسبة لكل ما يسمى الآن “القيادة الفلسطينية”، هذا قرار قد يعني وقف إطلاق النار وربما المزيد من المساعدات الإنسانية، مقابل إطلاق سراح المخطوفين وتحرير سجناء فلسطينيين، لكن بدون أي أفق سياسي جدي. على الفور، بعد مؤتمر ترامب ونتنياهو الصحافي، قالت شخصية رفيعة في حماس، محمد مرداوي، إن حماس أو أي جهة فلسطينية لم تتسلم خطة ترامب. مع ذلك، تبدو بنودها قريبة من الرؤية الإسرائيلية. وحسب قوله، الحديث يدور عن محاولة لوقف الزخم الدولي والاعتراف بالدولة الفلسطينية، وما كشف في خطة ترامب سطحي وليس مؤكداً. بدلاً من ذلك، تقترح الخطة وضع حكم غير واضح يستند إلى أموال وخبراء وسيطرة إسرائيلية كاملة حتى إشعار آخر.
في السابق، أمام حكومات في إسرائيل وإدارات أمريكية كانت أقل تطرفاً بكثير ومحافظة، كان على الفلسطينيين اتخاذ قرارات حاسمة مشابهة مع تدمير وسفك دماء أقل. التجربة حتى حينئذ، تعلم أن النتائج كانت غالباً مخيبة للآمال من ناحيتهم. بدءاً باتفاق أوسلو في التسعينيات، ومروراً بالتفاهمات التي جاءت بعده، وانتهاء بعملية الانفصال أحادي الجانب من قبل إسرائيل في 2005، بقيت الفجوة بين تعهدات إسرائيل والتطبيق الفعلي عميقة. وهي الحال الآن، إذا قمنا بتقشير كل الشعارات، فلن يبقى الكثير للفلسطينيين، سواء في الضفة الغربية أو في غزة، عدا الاختيار بين احتلال ناعم واحتلال عنيف وشديد.
عملياً، ما يعرضه ترامب على حماس هو “سلموا المخطوفين وسنرى متى وكيف سنعطيكم أفقاً”. في كل الحالات، باستثناء الثناء على نفسه وعلى فريقه والكثير من الكلمات الرنانة، ليس لدى ترامب أي اقتراح لأفق سياسي للفلسطينيين.
ربما يحلم الرئيس الأمريكي بجائزة نوبل للسلام، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك. فبالنسبة للفلسطينيين في غزة وفي الضفة، هو لا يعرض حلماً أو حتى بداية عملية سياسية حقيقية، وحتى لا يتحدى نتنياهو في معارضته للدولة الفلسطينية. على حماس والسلطة الفلسطينية الاختيار بين النبوت أو العصا، الانتداب الأجنبي أو احتلال بدون أي إطار واضح. في الواقع، ترامب ذكر وأثنى على الزعماء العرب، وادعى بموافقتهم على إملاءاته وإملاءات نتنياهو من خلال تجاهل واضح لكل ما قد يعطى للقيادة الفلسطينية، حتى الرغبة في قيادة إجراءات الإصلاح والتغيير للأفضل.
لكن بعد كل الشعارات، بقي موقف إسرائيل على حاله، ويحاول ترامب في مشهد نرجسي معروف تغطية ذلك بموافقة عربية ودولية ترتكز بالأساس على الأموال وليس على الرؤية. الآن، على حماس أن تقرر وجهتها.
هآرتس 30/9/2025
* جاكي خوري (أو جاك خوري) صحفي وإعلامي فلسطيني من داخل الخط الأخضر، مقيم في حيفا. يعمل منذ سنوات طويلة في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، ويكتب فيها باللغتين العبرية والإنجليزية، وتركز مقالاته على قضايا المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني، والعلاقات الفلسطينية – الإسرائيلية، إضافة إلى ملفات الشرق الأوسط بشكل عام.