آخر الأخبار

spot_img

سبتمبر بين الأمس واليوم.. وجع جيلٍ لم يحفظ الأمانة..!

“صحيفة الثوري” – كتابات:

عارف شكيب

تمرّ علينا اليوم ذكرى ثورة السادس والعشرين من سبتمبر الخالدة، الثورة التي فجّرت فجر الحرية في سماء اليمن، وفتحت أبواب الأمل أمام شعب أنهكه الاستبداد والجهل والفقر. ثورة كتبها رجال أحرار بدمائهم، وحدّدوا لها أهدافاً سامية أرادوا بها أن ينقلوا اليمن من عصور الظلام إلى فجر الجمهورية.

لقد نجحت الثورة في حينها، وحققت جزءاً من أهدافها؛ فسقط حكم الإمامة، وتأسست الجمهورية، وبدأ الشعب يتلمس طريق العلم والتعليم، وارتفع صوته مطالباً بالعدالة والمساواة. تشكّل جيش وطني، وتحررت الإرادة اليمنية من سطوة الاستعمار، وتفتحت آفاق اليمنيين على معنى الدولة الحديثة.

غير أنّ السؤال المرير اليوم، بعد أكثر من ستة عقود، هو: أين نحن من تلك الأهداف العظيمة؟

أولاً: التحرر من الاستبداد

لقد كان هدف الثورة الأول هو كسر قيود الاستبداد والظلم، ليعيش اليمني حرّاً في ظل دولة عادلة. غير أنّ الاستبداد أعاد إنتاج نفسه بصور جديدة؛ فبدل أن نتجاوز الماضي، وجدنا أنفسنا نعيش أشكالاً متعددة من الوصاية والقهر والانقسامات، حتى صارت الحرية حلماً بعيد المنال.

ثانياً: بناء جيش وطني قوي

أراد الثوار جيشاً يحمي الشعب لا يبطش به، جيشاً يوحّد الوطن لا يجزّئه. لكن واقعنا اليوم مؤلم، فالكثير من الألوية والتشكيلات تأسست على أسس مناطقية أو حزبية أو قبلية أو عقائدية. وخذوا مثلاً من قلب تعز: اللواء 170، الذي تمّ تشكيله في معظمه على أساس مناطقي ضيّق، إذ ينتمي أغلب قادته وضباطه وأفراده إلى منطقة واحدة فقط (مخلاف شرعب). وهذا المثال واحد من أمثلة عديدة، والنتيجة أن الجيش الذي كان يُفترض أن يكون سياجاً للوطن، أصبح في أحيان كثيرة أداة للصراع ومحاربة الشعب نفسه.

ثالثاً: رفع مستوى الشعب ثقافياً واقتصادياً

أراد الثوار شعباً متعلماً ناهضاً، يخرج من ظلمات الأمية إلى نور المعرفة. نعم، تحققت إنجازات في التعليم، وخرجت أجيال متعلمة، لكن أين نحن اليوم؟ الأمية ما زالت تنهش المجتمع، وكم من الفتيان والفتيات حُرموا من إكمال دراستهم الثانوية أو الجامعية، لأسباب متعددة، في مقدمتها الحرب والصراعات واتساع رقعة الفقر. كما أرهقت البطالة الشباب، والاقتصاد غارق في أزمات لا تنتهي.

رابعاً: إقامة حكم جمهوري عادل

كان الأمل أن تُبنى دولة المؤسسات والقانون، حيث لا يعلو أحد على الدستور. لكن الواقع اليوم يكشف غياباً مؤلماً للعدالة، وتغوّلاً للمصالح الضيقة على حساب مصلحة الشعب. الجمهورية التي حلم بها الثوار صارت مشوّهة، لا تشبه تلك التي دافعوا عنها بدمائهم.

خامساً: إرساء حياة ديمقراطية سليمة

الديمقراطية كانت حلماً لبناء وطن يشارك فيه الجميع بلا إقصاء. لكننا لم نرَ إلا محاولات متعثّرة، سرعان ما سقطت تحت أقدام السلاح، وتحوّلت صناديق الاقتراع إلى مجرد ذكرى، وغابت الحريات تحت وطأة الحرب والانقسام.

سادساً: النهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق تنمية شاملة

أرادت الثورة اقتصاداً قوياً يضمن حياة كريمة لكل مواطن. واليوم، وبعد ستين عاماً، يعيش معظم الشعب تحت خط الفقر، والبلد مثقل بالديون والانهيارات المتكررة، والموارد منهوبة، والتنمية غائبة.

فقد كان الهدف أن يُبنى وطن يواكب العصر، يفتح أبوابه للعلم والتقنية والتنمية. لكن الواقع يقول إننا عالقون في صراعات الماضي، نعيد إنتاج ذات الانقسامات، ونترك أجيالنا تضيع بين الهجرة والاغتراب.

إنها أسئلة مؤلمة، لكنها الحقيقة التي لا بد أن نواجهها: نحن جيل لم يستطع أن يحافظ على مكتسبات الثورة وأهدافها وتضحيات الثوار. لم نحفظ دماء الشهداء التي سالت من أجل أن يعيش اليمني حراً عزيزاً كريماً، بل تركنا ثورتهم تتعرض للاجتزاء والتشويه والتفريط.

في ذكرى سبتمبر، لا يكفي أن نرفع الشعارات ونردد الأهازيج، بل علينا أن نعيد قراءة الأهداف الستة، وأن نسائل أنفسنا بصدق: ماذا تبقى منها في واقع اليوم؟ الإجابة ستكشف أن الثورة ما زالت مهمّة مؤجلة، وأن أجيالنا مدعوّة لإحياء مبادئها من جديد، لا بالكلام، بل بالعمل والفعل والإصرار على التغيير.

ورغم كل الألم، يظل الأمل قائماً؛ فالثورة لم تمت، والحرية لا تُدفن، ودماء الشهداء لا تذهب سدى. إنما تنتظر من يحمل الراية بصدق، ليعيد للثورة معناها، وللوطن كرامته، وللأمة مستقبلها.

رحم الله ثوار سبتمبر الأحرار، ونسأل الله أن يلهمنا القوة لنكون أوفياء لدمائهم وأهدافهم، حتى لا يُقال: إن جيلاً مرّ على هذه الأرض ولم يصن أمانة من سبقوه.