آخر الأخبار

spot_img

سبتمبر واكتوبر بين رمزية التحرر واستعادة الدولة

المحرر السياسي – صحيفة «الثوري»:

في الذكرى الثالثة والستين لثورة 26 سبتمبر المجيدة، ومع اقتراب الذكرى الثانية والستين لثورة 14 أكتوبر، تحلّ علينا هذه المناسبات الوطنية الكبرى واليمن يعيش مفارقة مؤلمة بين رمزية الثورات التحررية وواقع القمع والفوضى والاستقطابات الضيقة. ففي مناطق سيطرة جماعة الحوثي تتواصل حملات الاعتقالات الواسعة التي طالت المئات من الناشطين والمواطنين في صنعاء ومعظم المناطق الشمالية، في محاولة لإرهاب الناس ومنعهم من الاحتفاء بذكرى سبتمبر، في استعادة فاضحة لأدوات الحكم الإمامي الذي ثار عليه اليمنيون قبل أكثر من ستة عقود.

ورغم هذا القمع، تؤكد تعز – المدينة المحررة الخاضعة لنفوذ الحكومة الشرعية – أن روح سبتمبر وأكتوبر ما تزال حية. فعلى الرغم من الانفلات الأمني الذي بلغ ذروته بمقتل مدير عام صندوق النظافة والتحسين في المحافظة أفتِهان المشهري، استطاعت الجماهير بوعيها وضغطها المتواصل أن تجبر السلطات على تحمّل مسؤوليتها وبذل جهود فعلية للقبض على القتلة والحدّ من الفوضى، لتواصل المدينة احتفالاتها بزخم كبير بثورة سبتمبر، في رسالة واضحة بأن إرادة الشعب قادرة على فرض التغيير وصون المكتسبات الوطنية.

غير أن جماعة الحوثي ما تزال تجرّ اليمن إلى أتون صراعات إقليمية ودولية تحوّل البلاد إلى ساحة استنزاف وميدان لتصفية الحسابات، كان آخر فصولها القصف الإسرائيلي للأراضي اليمنية، في تطور خطير ندينه ويمثل انتهاكاً سافراً للسيادة الوطنية، ويضع اليمن أمام مخاطر مضاعفة على أمنه ومستقبله.

وفي الجنوب، تتنامى المخاوف من استمرار الارتجال السياسي في التعاطي مع المتغيرات الإقليمية والدولية، ومن غياب استراتيجية رشيدة قادرة على معالجة حاجات المجتمع وبناء منظومة إدارية وأمنية واقتصادية تحمي الاستقرار وتؤسس لنمو مستدام، إلى جانب خطاب إعلامي عقلاني يبعث الطمأنينة في الداخل ويقدم صورة متزنة للخارج ويفتح جسور الثقة مع الإقليم والعالم.

كما أن القوى السياسية الخاضعة للشرعية في مناطق التحرير مطالَبة اليوم بأن تغيّر بوصلتها من صراعات المناصب واقتسام السلطة إلى صراعات من أجل مصالح الناس اليومية وتحسين معيشتهم وتخفيف أعبائهم المعيشية، حتى لا تفقد هذه القوى ما تبقى من ثقة الشارع. فالثورات التي يحتفي بها اليمنيون ليست مجرد تواريخ، بل مشاريع تحرر وعدالة يجب أن تجد ترجمتها في حياة الناس.

نحيي جماهير شعبنا في الشمال والجنوب على تمسّكها بروح الثورة، وندعو جميع القوى السياسية والمجتمعية إلى تجاوز الشطحات والارتجال، وبناء مشروع وطني جامع يعيد لليمن جوهر ثورتي سبتمبر وأكتوبر، ويحمي مكتسباته من الطمس والتشويه، ويعيد للبلد حقه في العيش الكريم، ويضع أسس استعادة الدولة كاملة السيادة، بعيداً عن القمع والفوضى والصراعات، ليصون الوطن من أن يكون وقوداً لحروب الآخرين.