آخر الأخبار

spot_img

تعز.. عاصمة الثقافة التي قتلت ملكة النظافة!

“صحيفة الثوري” – كتابات:

عارف شكيب

تزخر صفحات التاريخ اليمني بأسماء نساء حكمن بحكمة وقوة، في زمن كانت المرأة تُحرَم فيه من أبسط حقوقها. لقد كانت اليمن سبّاقة في إعلاء شأن المرأة ومنحها مكانة مرموقة في سُدّة الحكم والقيادة، لتصبح شريكة حقيقية للرجل، لا ينقصها عقل ولا دين.

فمن ينسى ملكة سبأ، التي جسّدت أسمى معاني الشورى؟ قال تعالى على لسانها: (قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ)

وخطّت مبادئ الدبلوماسية، إذ قال تعالى على لسانها: (فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَٰكَذَا عَرْشُكِ ۖ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ ۚ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ)
صدق الله العظيم.

فحكمت مملكتها بنهجٍ حكيم، وبنت حضارة عظيمة لا تزال شواهدها قائمة حتى اليوم.

وكذلك، من ينسى الملكة شمس، والملكة ذي صدقن، ومن يغفل عن الملكة أروى بنت أحمد الصليحي، التي تركت إرثاً معمارياً وحضارياً خالداً في مدينة جبلة، من قنوات مياه وسدود ومدارس، شاهداً على رؤيتها الثاقبة وحكمتها الفذّة؟

وفي زمننا هذا، وُلدت لنا ملكة يمنية من نوعٍ آخر. لم تحكم مملكة، لكنها حكمت مدينة مزّقتها الفوضى والفساد. إنها السيدة إفتهان المشهري، التي تولّت منصب مديرة صندوق النظافة والتحسين في تعز، في وقت كانت فيه المدينة تغرق في أكوام القمامة، وتفتقر لأبسط مقوّمات النظافة. لم يكن الأمر سهلاً؛ فالفساد كان مستشرياً، والإيرادات تصبّ في المجهول، وعمال النظافة محرومون من حقوقهم.

أخذت هذه الملكة على عاتقها مهمة التنظيم والإصلاح؛ بدأت بتنظيف الشوارع، وشراء المعدات الحديثة، والأهم من ذلك، إعادة الكرامة لعمال النظافة بصرف رواتبهم وحوافزهم.

كانت تعمل بشفافية وإخلاص، لكن ـ كما العادة ـ لا يرضى الأشرار بما هو شريف. نفوسهم متسخة، ولو ارتدوا أبهى الثياب لن تُخفي سواد النوايا. إنجازاتها لم تُعجب النفوس المريضة، التي أرادت أن تستمر في فسادها وعبثها.

لقد حاولوا إيقافها بالتهديد والوعيد، وعندما وجدوا فيها العزيمة والإصرار، لجأوا إلى الغدر والخسّة، فقاموا باغتيالها.

اغتالوا الجمال في شارع الجمال! أيُعقل أن أحفاد من كرّموا المرأة في زمنٍ كان الظلم فيه هو السائد، يغتالون امرأة في وضح النهار، في زمنٍ تُكرَّم فيه المرأة؟!

وفي مدينة تملك تاريخاً حافلاً بالثقافة والفن والعلم، مدينةٍ كانت ولا تزال مدرسة للمثقفين وناشري العلم والمعرفة منذ عصور المظفّر والأشرفية.

فهل يُعقل أن تكون تعز، تلك المدينة العريقة، مسرحاً اليوم لتلك النفوس الخبيثة؟ وهل يمكن أن يكون قلب الثقافة اليمنية هو نفسه الذي شهد جرائم لا قِبَل للتاريخ بها؟

لم يقتلوا إنسانة فحسب، بل قتلوا كل ما هو جميل، ودنّسوا تاريخاً عريقاً، وخرقوا عاداتنا وأعرافنا التي لطالما كانت سبّاقة في احترام المرأة. لقد عقَروا المجد الذي بناه أجدادنا.

رحم الله فقيدتنا، ولا نامت أعين الجبناء.