الثوري – متابعات
محمد عبد الإله
يشهد اليمن حالة غير مسبوقة من التدهور الاقتصادي والمعيشي يترافق ذلك مع انهيار قياسي للريال مقابل الدولار، حيث بلغ سعر الصرف في المناطق الجنوبية والشرقية (1525 ريالاً) مقابل الدولار الواحد، وتفاقم الأزمة الاقتصادية، مع ارتفاع قياسي للأسعار، وشحة في وفرة السيولة في صنعاء بسبب انقسام العملة.
وانخفضت قيمة الريال اليمني بشكل كبير في السوق عن العام الماضي ليصل سعر صرف الريال مقابل الدولار (526 ريالاً) في صنعاء، وفي عدن 1525، بحسب أحد الصرافين المُختصين بصرف وتداول العُملات الأجنبية.
وقال: من الطبيعي أن تتأثر البلاد بما يحدث من تلاعب لأسعار العملة، لأننا في حالة حرب، وفي ظل وجود توافق بين الحكومتين على الانهيار الحاصل، لافتاً إلى ارتفاع جنوني للأسعار في صنعاء إلى مستويات تجاوزت فيها الأسعار في عدن وتعز.
وفي (أيلول) سبتمر من العام 2016، أصدر الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، قراراً بنقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى عدن التي أتخذتها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد.
أدى تراجع سعر صرف الريال أمام الدولار إلى انهيار العملة، وتفاوت حول الصرف والتحويلات المالية، وارتفاع كبير في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية.
مستقبل التعليم
كيف تأثر هذه الأوضاع على المواطنين. يمكن استشفاف الجواب من خلال بعض الحالات: تستعد إحدى الطالبات في كلية الهندسة بجامعة صنعاء، لتسديد مبلغ القسط الثاني المتبق عليها من النظام الموازي في الكلية.
وقالت لـ«الثوري»: تم تحويل مبلغ 250 ألف ريال عبر أحد الصرافين في مدينة تعز إلى صنعاء، ليصل (72500)، أي ما يعادل (139 دولاراً).
وعبرت عن حزنها من عدم قدرتها على مواصلة الدراسة؛ نتيجةً لكلفة التعليم وغلاء المعيشة وانهيار العملة، وأن تحصيلها العلمي في جامعة صنعاء الذي تأسست 1975، وتوسعت لتصبح واحدة من أعرق الجامعات في المنطقة العربية.
لكنها اليوم، وباعتراف الحوثيين تواجه أسوأ أزمة في تاريخها نتيجة للأوضاع المعيشة المتدهورة وعزوف الطلاب عن مواصلة التعليم. وتابعت: لم تعد أسرتي قادرة على تحمل أعباء تكاليف المعشية ورسوم الجامعة معاً.
تفاقم الوضع المعيشي
في حي الشيخ عثمان بعدن يشكو أحد النجارين (29 عاماً) وهو يجلس على كرسي خشبي في محله لبيع الآثاث والديكور والمواد المنزلية من جراء تفاوت الصرف وارتفاع نسبة التحويلات المالية. ويتحدث لـ«الثوري» أنه بانتظار ثبات سعر الصرف لئلا يخسر الزبائن، إذ أن ارتفاع سعر الدولار يدفع الأسعار إلى الارتفاع أيضاً، ومعظم موادنا الخشبية تأتي من الحوبان في تعز.
ويشكل انخفاض قيمة العملة اليمنية دليلاً ملموساً على الاقتصاد المنهك جراء تسع سنوات من الحرب الضارية، في ظل تقلص المداخيل والإيرادات وانخفاض احتياطي النقد الأجنبيي.
ويقول: يقوم بعملية تحويل اسبوعية مبلغ 145 ألف ريال من عدن إلى منطقة الحوبان لتصل 50 ألف، متسائلاً: إلى أي مدى سيظل الوضع قائماً لما هو عليه الآن؟ وتسيطر القوات الحُكومية على مدينة تعز وأريافها الجنوبي والغربي.
بينما يسيطر الحوثيون على القطاع الشرقي والشمالي للمحافظة، ويترك تقلبات سعر صرف الريال على كل الحركة الاقتصادية في البلاد. ومنذ صيف 2017، تدهورت قيمة الريال تدريجياً في السوق السوداء، وتخطى الريال الواحد في السنتين الماضيتين الـ(1500 ريال) أمام الدولار، فيما لا يزال السعر الرسمي في صنعاء ثابتاً عند (525) للريال، يترافق مع ارتفاعاً جنونياً للأسعار.
وتسود حالة من الاحتجاج الشعبي بسبب عجز الحكومة، المعترف بها دولياً، عن مواجهة التدهور، الحاصل «نتيجةً للاختلالات الحكومية ومخالفات قانونية تمارس بالعلن وتؤدي إلى المزيد من التدهور الاقتصادي والمعيشي للسكان، تهميش للعملة الوطنية والاتجاه بالتعامل بالعملات الأجنبية بدلاً عن الريال اليمني نظراً لتراجع قيمته الشرائية بصورة مستمرة»، حسب أستاذ الاقتصاد في تعز محمد القحطاني.
تقول أستاذة جامعية، فضلت عدم الكشف عن هويتها، إنها تتسلم راتبها الوظيفي من عدن 300 ألف ريال، ما يعادل (197٫36) دولار، لتصل إلى صنعاء (104109) ألف، أي إجمالي: (مائة وأربعة آلاف وتسعة ريالات).
وأضافت: المبلغ لا يكفي لإيجارات السكن والمصاريف اليومية، وأن الوضع المعيشي لم يعد يُطاق.
وطالبت بتوحيد العملة الوطنية التي تعتبر من الأولويات القصوى لليمنيين، بدلاً من التركيز على القضايا الثانوية خلال المفاوضات.
ويكافح الكثير من اليمنيين لتلبية احتياجاتهم بعد انخفاض قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، وما تسبب فيه ذلك من ارتفاع هائل للأسعار في البلد الذي يشهد نزاعاً مسلحاً على السلطة منذ سنوات طويلة.
للريال شكلان
قال أستاذ الاقتصاد في جامعة تعز، محمد القحطاني، إن الحرب أدت إلى انقسام البنك المركزي بين سلطتين: أحدهما في عدن والأخرى في صنعاء، وهذا الانقسام أدى إلى انقسام الجهاز المصرفي ثم انقسام للعملة الوطنية، حيث صار للريال اليمني شكلان: أحدهما الشكل القديم السابق لمرحلة نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن مع احتفاظ بنك مركزي صنعاء بنشاطه كبنك مركزي وبالتالي خلق هذا الانقسام وجود سعرين لصرف الريال اليمني، أحدهما في مناطق نفوذ سلطة عدن وآخر في مناطق نفوذ سلطة صنعاء.
وأضاف: الوضع شكل واقعاً في غاية الصعوبة للتحويلات النقدية والتبادل التجاري الداخلي في إطار الدولة اليمنية الواحدة. وأوضح: هذا يعني خروج الجهاز المصرفي عن سيطرة الدولة، فلا السلطة الشرعية قادرة على إدارة الجهاز المصرفي ومواجهة التقلبات الاقتصادية والحفاظ على استقرار سعر العملة الوطنية ولا سلطة الأمر الواقع في صنعاء قادرة على مواجهة انهيار الوضع الاقتصادي والمعيشيي للسكان في مناطق نفوذها رغم فرضها سعراً ثابتاً لصرف الريال المتداول في مناطق نفوذها مقابل الدولار طيلة سنوات الحرب الماضية منذ إعلان نقل البنك المركزي من صنعاء إلى عدن وانقسام الريال اليمني وسعر صرفه مقابل العملات الأجنبية.
وأشار أنه مع استمرار هذا الانقسام صار من المستحيل تعافي الدورة الاقتصادية واستئناف الأنشطة الاستثمارية، وبالتالي فإن الجهاز المصرفي منهار وخارج الدورة الاقتصادية وهو الجهاز المتحكم بتشغيل هذه الدورة.
كما تراجع النشاط المصرفي بصورته الطبيعية المعروفة في عموم البلاد وبرزت ظاهرة انتشار محلات الصرافة كبديل للجهاز المصرفي.
وهذه المحلات تزاول أعمال مصرفية محدودة بالتحويلات والمتاجرة بالعملات الأجنبية، خارج إطار الجهاز المصرفي الأساسي، المتمثل بالبنك المركزي والبنوك التجارية، كما تحولت بعض المصارف لبنوك إسلامية شكلاً، وفي المضمون فإنها تمارس مهنة محلات الصرافة لا أكثر، ولا يمكنها شغل الفراغ الذي تركته البنوك التجارية، الأمر الذي أخرج الجهاز المصرفي اليمني عن النظام المصرفي العالمي وصار من الصعب الحفاظ على بقائه، خصوصاً بعد أن عجزت البنوك التجارية عن الوفاء بحقوق المودعين بالسحب من أموالهم المودعة قبل الحرب بحجة تجميد أرصدة البنوك لدى البنك المركزي في صنعاء، وعجز بنك عدن عن اتخاذ سياسات فعالة لمواجهة هذه المشكلة.
وتابع: فقدت البنوك ثقة المودعين وتوقفت عمليات الإيداع للحسابات الإدخارية وهو أمر يشير إلى تعطيل آلية الإدخار التي بدونها لا يستطيع أي اقتصاد تعويض الإهلاكات وتنمية التراكم الرأسمالي لمواجهة تزايد الحاجات الإنسانية لمواطني الدولة.
ولذلك فقد استمر النشاط الاقتصادي بالتدهور وتحجم دور البنوك بعمليات محدودة للغاية، كما أقفلت بعض البنوك التجارية أبوابها وخاصة ذات الطابع الاستثماري الدولي، واضطربت أسواق النقد الأجنبي وخرجت تماماً عن سيطرة البنك المركزي المعترف به دولياً. ويعني ذلك غياب الدولة عن ممارسة أي دور فاعل، مباشر أو غير مباشر في توجيه السوق النقدية ومواجهة انفلات محلات الصرافة وتعافي الوضع الاقتصادي والحفاظ على استقراره.
وترتب على ما أشرنا إليه، فشل البنك المركزي في عدن في مواجهة تدهور سعر صرف الريال في مناطق نفوذه، رغم الدعم الإقليمي والدولي الموجه لهذا الغرض، وبالوقت نفسه عمل بنك مركزي صنعاء على استحداث نظام جديد لجهازه المصرفي تمثل بإلغاء آلية عمل البنوك التجارية تحت مبرر العمل بالتشريعات الإسلامية من خلال سن قانون منع التعامل بالفوائد الربوية، وبالتالي الإجهاض الكامل على الجهاز المصرفي الأساسي في مناطق نفوذه، الأمر الذي أثر سلباً على مجمل مكونات الجهاز المصرفي بما فيها المكونات العاملة في مناطق نفوذ بنك مركزي عدن نظراً لأن البنوك التجارية التقليدية العريقة بالعمل في اليمن كانت ولازالت تتخذ من صنعاء مركزاً لإدارة فروعها في المحافظات، ونتيجة لذلك فقد تعمق الانقسام الاقتصادي بين مناطق نفوذ عدن ومناطق نفوذ صنعاء أدى لتراجع مستمر للأنشطة الاقتصادية واشتداد حالة الركود التضخمي للاقتصاد، وصار يتعمق يوماً بعد آخر، مع غياب الدور الفاعل لكل من حكومتي عدن وصنعاء.
الأمر الذي يحتم من وجهة نظرنا تضافر جهود كلا السلطتين والعمل على: إنهاء انقسام البنك المركزي، وتوحيد سعر العملة الوطنية. والعمل بسياسة نقدية واحدة. وذلك من خلال الإسراع بتوقيع وثيقة التفاهمات الجارية بخصوص مواجهة هذا الوضع.
إذ أن الوضع الاقتصادي والإنساني في عموم البلاد قد وصل لأدنى مستوياته من التدهور والانهيار. وأي تباطئ بهذا الخصوص سيكون له نتائج كارثية على الوضع الاقتصادي والإنساني الموصوف حسب المنظمات الدولية بأنه الأسوأ على مستوى العالم. وسيؤدي ذلك إلى تعزيز الانقسام السياسي والجغرافي والإضرار بالوحدة الوطنية.