آخر الأخبار

spot_img

‏المدافعون عن حل الدولتين يدركون أن الوقت قد حان الآن!

“صحيفة الثوري” – ترجمات:

المحرر الدبلوماسي - الغارديان

قد يُثبت هذا الأسبوع أنه لحظة حاسمة في دبلوماسية الشرق الأوسط، وليس الأمر مقتصرا على أن كير ستارمر – وبعد تردد طويل – قدّم تعهده التاريخي يوم الثلاثاء بأن المملكة المتحدة ستعترف بدولة فلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر، إذا لم توافق إسرائيل على تلبية شروط معينة.

لقد كان يومًا مفصليًا لأن الخطوط الفاصلة بين الرؤى المعتدلة والمتطرفة لمستقبل غزة والضفة الغربية بدأت تتضح في نيويورك وبروكسل والقدس وحتى برلين، مع اقتراب نهاية الحرب.

لقد ادرك أنصار حل الدولتين، بما فيهم من يدعون إلى إصلاح جذري للسلطة الفلسطينية لتعمل دون حماس، أخيرًا أن الوقت قد حان للتحرك، وإلا فإن رؤيتهم مهددة بالاندثار على يد بنيامين نتنياهو ووزير ماليته اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش، تحت رعاية دونالد ترامب.


الخيار المطروح الان هو بين التعايش والترحيل القسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين.


كانت سياسة بريطانيا القائلة بإرجاء استخدام “ورقة الاعتراف” حتى اللحظة المناسبة في عملية السلام، تستند إلى قناعة بأن لندن لا تزال تملك نفوذًا في الشرق الأوسط، لكنها أيضًا مبنية على قراءة قديمة لمسار السياسة الإسرائيلية، غير أن الواقع هو أن إسرائيل بعد السابع من أكتوبر تبتعد أكثر فأكثر عن فكرة حل الدولتين.

وقال سموتريتش الثلاثاء إن إعادة إنشاء مستوطنات إسرائيلية في غزة لم تعد “تفكيرًا رغائبيًا، بل جزءًا من خطة عمل واقعية”، مضيفًا أن “غزة جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل”، ويأتي هذا في وقت أفادت فيه تقارير بأن نتنياهو سيمنح حماس بضعة أيام للموافقة على وقف إطلاق النار بشروطه، وإلا فسيبدأ بضم أجزاء من قطاع غزة.

كما صرّح سموتريتش بشأن الضفة الغربية قائلًا: “إسرائيل تُحدث ثورة هناك من خلال فرض السيادة بحكم الأمر الواقع، وتنظيم البناء، وتغيير النظام من جذوره، وشقّ الطرق”، وتوقع أن تُستكمل السيادة الرسمية على الضفة خلال فترة الحكومة الحالية.

في هذا السياق، أصبح من الضروري أن يتحرك المدافعون عن حل الدولتين، ولو لتسجيل موقف أخير يحول دون اندثار هذا الحل تحت جرافات إسرائيل، وكما قال وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو، فإن حل الدولتين “في خطر مميت. وعلى الجانبين، يبدو أن أنصار الرفض هم من يكسبون”.

وقد وفّر مؤتمر نُظّم هذا الأسبوع في نيويورك فرصة لتغيير الاتجاه، وأكد بارو: “بعد 22 شهرًا من المحاولات العقيمة، من الوهم الاعتقاد بإمكانية التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار دون رسم رؤية مشتركة لفترة ما بعد الحرب في غزة، ودون تحديد أفق سياسي، أو بديل عن حالة الحرب الدائمة”.

سلّم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل المؤتمر، رسالة من الرئيس الفلسطيني محمود عباس، تضمّنت سلسلة من التنازلات، من بينها تعهّد السلطة الفلسطينية بإجراء انتخابات رئاسية خلال عام في جميع الأراضي المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، بهدف تجديد القيادة ورحيل عباس البالغ من العمر 89 عامًا، وخلال المؤتمر، كرّر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى التأكيد على ضرورة تنحي حماس جانبًا.

لكن المؤتمر، الذي شاركت في رئاسته فرنسا والسعودية، لم يقتصر على مسألة إصلاح السلطة الفلسطينية وتهميش حماس، بل أصدر وثيقة من سبع صفحات – إعلان نيويورك – تضمنت خارطة طريق لحل الدولتين، تضمن لإسرائيل الأمن دون حاجة إلى احتلال وقمع وضمّ، كما في الرؤية القاتمة التي يطرحها نتنياهو.

ويجمع الإعلان بين خطط عربية وأوروبية سابقة لما بعد الحرب في غزة، ويقترح أنه “بعد وقف إطلاق النار، يجب على الفور إنشاء لجنة إدارية انتقالية لإدارة غزة تحت مظلة السلطة الفلسطينية”.

ويدعم الإعلان نشر بعثة دولية مؤقتة للاستقرار، بتفويض من مجلس الأمن، ويرحب بـ”استعداد بعض الدول الأعضاء للمساهمة بقوات”، كما شدد على أن غزة جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية ويجب توحيدها مع الضفة الغربية، ويؤكد ضرورة أن تنهي حماس حكمها في غزة وتسلم أسلحتها للسلطة الفلسطينية بمشاركة دولية، كما يُبقي على الأمل في أن يؤدي إنهاء النزاع الإسرائيلي الفلسطيني إلى تسوية إقليمية أوسع، رغم تردد دول الخليج حاليًا في المضي نحو التطبيع مع إسرائيل.


وفي هذا الإطار الأوسع، تبدو النقاشات الداخلية في بريطانيا حول الشروط المرتبطة بتعهدها الاعتراف بفلسطين مسألة هامشية نسبيًا.


فمن جهة اليسار، يُنتقد ستارمر لعدم تقديم الاعتراف كحق مبدئي للفلسطينيين في تقرير المصير، كما أن عرضه افتقر إلى اللغة الرمزية العالية التي تميّز بها الطرح الفرنسي، ويبدو أنه طُرح كعقوبة ضد إسرائيل أكثر منه دعمًا لفلسطين، كما ان رفضه التنسيق مع ماكرون الأسبوع الماضي جعله يبدو وكأنه يتراجع أمام تمرد داخلي، بدلًا من أن يُظهر القيادة.

ومع ذلك، فقد قوبل القرار البريطاني بترحيب حار في نيويورك عند إعلانه من قِبل وزير الخارجية ديفيد لامي، كما أن ربط الاعتراف بشروط – وهو آخر بقايا الحذر البريطاني من استخدام الاعتراف كورقة ضغط – يساعد في توضيح أن إسرائيل أمام خيار أساسي: إما الصراع أو التعايش، وبما أن إسرائيل رفضت فورًا شروط ستارمر، فإن الاعتراف البريطاني يبدو الآن شبه حتمي في سبتمبر.

وتزداد المؤشرات في بروكسل وبرلين أيضًا، على نفاد الصبر مع أساليب نتنياهو، حتى وإن لم يتفقوا بعد على شكل العقوبة، أما في الولايات المتحدة، فيُظهر أحدث استطلاع لـ”غالوب” أن 8% فقط من الديمقراطيين يؤيدون الاستراتيجية الإسرائيلية.

ويُلقى على عاتق الدبلوماسيين الآن مهمة استثمار الزخم الذي انطلق من نيويورك، إلى جانب السخط العالمي من الحرب في غزة، لإقناع دونالد ترامب بالتفكير في السلام الفلسطيني بطريقة أكثر استراتيجية، وقد يكون ذلك مستحيلًا، لكن على الأقل، فقد تم الآن تمهيد الطريق.