آخر الأخبار

spot_img

غزة.. حرب التهجير والتطهير

للمرة الأولى.. غوتيريش يبلغ مجلس الأمن خطاباً بتفعيل المادة الـ99 من ميثاق الأمم المتحدة
الثوري – وكالات

أعلنت السلطة الفلسطينية أن حصيلة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة المتواصل منذ 60 يوماً على التوالي، وصلت إلى 16060 شهيداً. وأبلغ الأمين العام للأمم المتحدة مجلس الأمن أمس الأربعاء بتفعّيل- للمرة الأولى- المادة الـ99 من ميثاق الأمم المتحدة، نظراً لحجم الخسائر في الأرواح البشرية في غزة وإسرائيل- في غضون فترة وجيزة.

تزايدت المخاوف من إقدام الاحتلال الإسرائيلي على إجبار أهالي قطاع غزة على النزوح إلى سيناء مع تواصل العدوان على مدنية خان يونس ما دفع سكانها إلى النزوح إلى مدنية رفح، في وقت أعلن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، أن عشرات الآلاف من الفلسطينيين النازحين داخليا وصلوا إلى محافظة رفح، الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، خلال اليومين الماضيين. وأقام نازحون فلسطينيون من مدنية خان يونس خياما بالقرب من الحدود المصرية في مدينة رفح الفلسطينية. وأظهرت صور اكتظاظ مدينة رفح جنوب قطاع غزة بخيام النازحين، وقالت وزارة الخارجية الفلسطينية، إن إسرائيل تطلب من النازحين في قطاع غزة المزيد من النزوح لحشرهم وتحديد حركتهم باتجاه واحد نحو معبر رفح الحدودي مع مصر. ويقول مراقبون إن الاحتلال الإسرائيلي يهدف إلى تنفيذ التهجير بالقوة والأمر الواقع، من خلال إجبار أهالي القطاع إلى النزوح في البداية من الشمال إلى الجنوب، ثم تشديد القصف لإجبارهم على الاتجاه نحو معبر رفح، ما يضطر السلطات المصرية إلى السماح لهم بالعبور، أو يعبر الأهالي الحدود تحت وطأة القصف رغم رفض السلطات المصرية.

الحكومة الإسرائيلية أعلنت مراراً أن هدف حملتها هو القضاء على حماس، ولكن مع تطور الحرب، تبرز معطيات توحي بأن لديها أهداف أخرى تتمثل بطرد الفلسطينيين من قطاع غزة. سياسيون إسرائيليون ومسؤولون أمنيون دعوا إلى ذلك صراحة، ويحاولون الضغط على مصر للقبول بهذا الموضوع. الأحد الماضي، دعا الجيش الإسرائيلي سكان أحياء عدة في مدينة خان يونس للمغادرة إلى جنوب قطاع غزة.

وطالب الجيش في بيان نشر على منصة «إكس» سكان الأحياء المعنية في خان يونس بالتوجه نحو مناطق «مخيم الشابورة وتل السلطان والفخارى»، وهي مناطق في أقصى جنوبي القطاع قرب الحدود المصرية. وطالت أوامر «التهجير» أحياء المحطة والكتيبة وحمد والسطر وبني سهيلا ومعن في خانيونس، التي صنفتها إسرائيل بأنها منطقة «أعمال حربية».

وسبق أن وجهت أوامر مماثلة لسكان مناطق خزاعة وبني سهيلا وعبسان والقرارة. وأصدر الجيش الإسرائيلي أوامر مماثلة لسكان جباليا والشجاعية والزيتون والبلدة القديمة في غزة، ونشرت أرقام الأحياء السكنية المطلوب خروج السكان منها والتوجه إلى مراكز الإيواء والمدارس في أحياء الدرج والتفاح وغرب مدينة غزة.

وحذر كل من «المركز الفلسطيني» و«مركز الميزان» و«مؤسسة الحق لحقوق الإنسان» في بيان مشترك من تداعيات تصعيد «عمليات التهجير القسري (الترانسفير)» بحق سكان قطاع غزة.

وبحسب بيان المنظمات الحقوقية، فإن قرارات الإخلاء التي وزعها الجيش الإسرائيلي تشمل أكثر من 200 ألف من السكان، إضافة إلى عشرات الآلاف من النازحين إلى هذه المناطق من شمال قطاع غزة.

وأشار إلى أن أجزاء من «الخريطة التي نشرها الجيش الإسرائيلي (المناطق الآمنة) تضمنت في جنوبها جزءا من الأراضي المصرية حددها بلون معين وأسماها المنطقة العازلة بين سيناء وقطاع غزة».

خلفيات المخاوف

في 17 تشرين الأول/أكتوبر، حث معهد الأبحاث الإسرائيلي «مسغاف» للأمن القومي والدراسات الاستراتيجية، الحكومة الإسرائيلية في ورقة بحثية على اقتناص «الفرصة الفريدة والنادرة لإخلاء قطاع غزة بأكمله»، وإعادة توطين الفلسطينيين في مصر.

دعوة المركز لم تأت من فراغ، إذ سبقتها وثيقة مسربة من وزارة المخابرات الإسرائيلية توضح خطة لإعادة توطين الفلسطينيين قسرا في سيناء، وبناء منطقة عازلة على طول الحدود الإسرائيلية لمنع عودتهم. وأوصت وزيرة الاستخبارات الإسرائيلية، غيلا غملائيل، في الوثيقة بضرورة تهجير سكان غزة إلى سيناء عقب انتهاء الحرب.

وبحسب صحيفة «كالكاليست» اليومية الإسرائيلية، تضمنت الوثيقة ثلاث مراحل، إنشاء مدن من خيام في سيناء جنوب غرب القطاع، وإنشاء ممر إنساني لمساعدة السكان، وبناء مدن في منطقة شمال سيناء.

فضلا عن ذلك، تدعو الوثيقة إلى إقامة منطقة محصنة لا يمكن للسكان الذين يتم إجلاؤهم إليها من العودة إلى القطاع. ما أثار انتباه المتابعين ودعا العديد من الهيئات لدق ناقوس الخطر هو الجهود الأمريكية التي تعمل على حشد الدعم المالي والسياسي لتنفيذ المخطط الإسرائيلي.

ففي 11 تشرين الأول/أكتوبر، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إن بلاده تعمل مع مصر وإسرائيل لإنشاء «ممر إنساني» في سيناء للمدنيين الفلسطينيين الفارين من غزة. ثم في 20 أكتوبر/تشرين الأول، أرسل البيت الأبيض إلى الكونغرس طلب تمويل «لتلبية الاحتياجات المحتملة لسكان غزة الفارين إلى البلدان المجاورة».

هذه الخطوة اعتبرها المتابعون بمثابة «ضوء أخضر» من إدارة بايدن لإسرائيل لتنفيذ عملية التهجير، على الرغم من تصريحات جو بايدن منذ ذلك الحين بمعارضته تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

%80 من سكان القطاع باتوا في الجنوب

أكدت المتحدثة باسم المجلس النرويجي للاجئين شاينا لو، خلال حديث على قناة الجزيرة، حيث اعتبرت أن ما تقوم به إسرائيل في قطاع غزة حالياً يؤكد نيتها تهجير السكان باتجاه شبه جزيرة سيناء المصرية.

وقالت لو إن «غزة تعيش كارثة إنسانية، %80 من السكان يسكنون في الجنوب بعدما طلبت منهم إسرائيل إخلاء شمالي القطاع». وأضافت «اليوم يطالبونهم بالانتقال نحو رفح، وبعدها لن يكون أمامهم إلا الدخول إلى سيناء هرباً من الضغط العسكري».

وأرسل الأمين العام للأمم المتحدة إلى رئيس مجلس الأمن أمس الأربعاء خطاباً يفعّل فيه- للمرة الأولى- المادة الـ99 من ميثاق الأمم المتحدة، نظراً لحجم الخسائر في الأرواح البشرية في غزة وإسرائيل- في غضون فترة وجيزة.

تنص المادة المذكورة على أن «للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدوليين».

وقال الأمين العام أنطونيو غوتيريش على موقع X: «في مواجهة الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني في غزة، أحث مجلس الأمن على المساعدة في تجنب وقوع كارثة إنسانية وأناشد إعلان وقف إنساني لإطلاق النار».

في خطابه قال الأمين العام إن أكثر من 8 أسابيع من الأعمال العدائية في غزة وإسرائيل، أدت إلى معاناة إنسانية مروعة.

وأشار إلى مقتل أكثر من 1200 شخص- من بينهم 33 طفلا- وإصابة الآلاف في الهجمات الرهيبة التي نفذتها حماس وغيرها من الجماعات الفلسطينية في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وأدانها غوتيريش مرارا.

وقال إن نحو 250 شخصا اُختطفوا، منهم 34 طفلا، وما زال 130 منهم محتجزين.

وشدد على ضرورة الإفراج عنهم فوراً وبدون شروط.

وأضاف أن الشهادات حول العنف الجنسي، المرتكبة أثناء الهجمات، مروعة.

الأمين العام في خطابه لرئيس مجلس الأمن الدولي، قال إن المدنيين في أنحاء غزة يواجهون خطراً جسيماً.

وأشار إلى مقتل أكثر من 15 ألف شخص، وفق التقارير، منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية، يمثل الأطفال أكثر من %40 منهم بالإضافة إلى إصابة الآلاف بجراح.

وأشار الأمين العام إلى تدمير أكثر من نصف جميع المنازل في غزة، والتهجير القسري لنحو %80 من السكان البالغ عددهم 2.2 مليون شخص، إلى مناطق متقلصة في المساحة.

انهيار النظام الإنساني

وأكد غوتيريش «عدم وجود مكان آمن في غزة»، وعدم وجود حماية فعالة للمدنيين. وتحدث عن انهيار نظام الرعاية الصحية، وتحول المستشفيات إلى ساحات للمعارك. وأشار غوتيريش إلى قرار مجلس الأمن رقم 2712 الذي يدعو إلى توسيع نطاق توصيل الإمدادات لتلبية الاحتياجات الإنسانية للسكان المدنيين وخاصة الأطفال.

وقال إن الظروف الراهنة تجعل القيام بالعمليات الإنسانية ذات المغزى، أمراً مستحيلا. وحذر الأمين العام في خطابه من الخطر الجسيم لانهيار النظام الإنساني، وقال إن الوضع يتدهور بسرعة نحو كارثة بعواقب قد لا يمكن عكسها على جميع الفلسطينيين وعلى السلم والأمن في المنطقة.

وشدد على ضرورة تجنب مثل هذه النتيجة بكل السبل الممكنة.

وقال إن على المجتمع الدولي مسؤولية استخدام نفوذه لمنع حدوث مزيد من التصعيد ولإنهاء الأزمة.

وحث أعضاء مجلس الأمن الدولي على الضغط لتجنب وقوع كارثة إنسانية. وجدد مناشدته لإعلان الوقف الإنساني لإطلاق النار، مشدداً على إلحاح ذلك الأمر.

الجميع في غزة جائعون

قال برنامج الأغذية العالمي إن تجدد القتال في غزة يجعل توزيع المساعدات شبه مستحيل ويعرض حياة العاملين في المجال الإنساني للخطر، ويعد قبل كل شيء كارثة بالنسبة للسكان المدنيين في القطاع، الذين يبلغ عددهم أكثر من مليوني شخص، والذين لا يعتمدون إلا على المساعدات الغذائية. المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي سيندي ماكين قالت على صفحتها على منصة اكس إن «الجميع في غزة جائعون.

شهران من الحرب أديا إلى ما لا يمكن تصوره من الفقدان والدمار والبؤس. الآلاف قُتلوا والملايين شُردوا والنظام الإنساني ينهار». وأكدت ماكين على مناشدة الأمين العام بشأن الوقف الإنساني لإطلاق النار. وجدد البرنامج دعوته إلى ضرورة أن يتمتع العاملون في مجال الإغاثة بإمكانية الوصول الإنساني الآمن والمستدام دون عوائق، حتى يتمكنوا من توزيع المساعدات المنقذة للحياة في جميع أنحاء القطاع، مشدداً على ضرورة تمسك جميع الأطراف بالوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني.

من جانبها أعلنت وزيرة الصحة الفلسطينية مي الكيلة، أن حصيلة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة المتواصل منذ 60 يوماً على التوالي، وصلت إلى 16060 شهيداً.

وأوضحت الكيلة، في مؤتمر صحفي، الثلاثاء، أن 15 ألفاً و800 فلسطيني استشهدوا في قطاع غزة، و260 آخرين في مختلف محافظات الضفة الغربية، مشيرة إلى إصابة نحو 40 ألف فلسطيني، أكثر من %70 منهم من الأطفال والنساء (أكثر من 6 آلاف طفل، ونحو 4 آلاف امرأة).

ولفتت إلى أن 20 مستشفى ما تزال خارج الخدمة، رغم أن بعضها استأنف عملياته جزئياً بعد وصول الوقود، أي أن جميع المرضى بمن فيهم مرضى غسيل الكلى والسيدات الحوامل والأطفال في كامل غزة لا يوجد لديهم أي مكان لتلقي العلاج، فيما خرجت 55 سيارة إسعاف عن الخدمة بشكل كامل، واستشهد أكثر من 250 من الكوادر الصحية.

كما أن حوالي 30 عاملاً في المجال الصحي معتقلون لدى الاحتلال الإسرائيلي، كما توقف العشرات من مراكز الرعاية الصحية عن العمل بسبب القصف ونفاد الوقود. وأكدت وزيرة الصحة الفلسطينية أن نسبة الإشغال في مستشفيات جنوب قطاع غزة، بلغت حتى الآن أكثر من %210 إلى جانب النقص الحاد في الكوادر البشرية والأدوية والمستلزمات الطبية والوقود، مبرزة أنه بالرغم من المناشدات الدولية لقوات الاحتلال بتجنيب التعرض للمدنيين، إلا أن عدد الشهداء في زيادة مستمرة، وأن المستشفيات العاملة تواجه تحديات بسبب القصف والاكتظاظ وانقطاع التيار الكهربائي ونزوح المواطنين.

وحول عدد النازحين، أشارت الكيلة أن عددهم في قطاع غزة بلغ أكثر من 1.8 مليون مواطن، أي ما يقارب %80 من سكان القطاع، موضحة أن الحالة الوبائية في مراكز اللجوء من مدارس وتجمعات مستشفيات وصلت إلى إحصائيات كارثية، وأن النقص الحاد في المياه والغذاء والدواء والمستلزمات التي تتعلق بالنظافة أدى إلى انتشار للأمراض والأوبئة بين النازحين وبأعداد مخيفة، تنذر بالكارثة المحققة.

وأشارت إلى ارتفاع ملحوظ في عدد الحالات المسجلة من الأمراض المعدية بين المواطنين النازحين، مؤكدة أنه تم تسجيل أكثر من 117 ألف حالة التهاب تنفسي حاد، و86 ألف حالة إسهال وجفاف حاد عند الأطفال دون سن الخامسة، و50 ألف حالة مرض جلدي، منها 26 ألف حالة جرب وتقمل، و2400 حالة جدري.