صحيفة الثوري- نيويورك تايمز:
تحوّلت الطائرات المسيّرة الهجومية إلى أحد أبرز الأسلحة في الحروب الحديثة، بفضل حجمها الصغير وصعوبة اكتشافها وقدرتها على تنفيذ ضربات دقيقة. غير أن استخدامها من داخل أراضي العدو، كما حدث في إيران وروسيا مؤخرًا، يرفع منسوب التأثير التدميري، ويخلط بين الحيلة العسكرية الكلاسيكية والتكنولوجيا المتقدمة.
ففي تطور غير مسبوق، تعرّضت روسيا لهجوم بطائرات مسيّرة أوكرانية زُرعت سرًا في عمق أراضيها قبل أشهر، استهدفت أكثر من 40 طائرة حربية روسية، ضمن هجوم تم تنفيذه بسرب مكوّن من 117 طائرة مسيّرة، بعضها وُضع على بُعد آلاف الكيلومترات من أوكرانيا.
وفي إيران، كررت إسرائيل التكتيك ذاته، حيث تم تهريب طائرات مسيّرة وأسلحة متطورة إلى داخل البلاد على مدار سنوات، لتنفيذ هجوم واسع النطاق، يوم الجمعة، استهدف مواقع حساسة، بينها منظومات دفاع جوي وصواريخ، بل وضرب مناطق سكنية في طهران. وتشير التقارير إلى أن بعض هذه المسيّرات من نوع “كوادكوبتر”، صغيرة الحجم لكنها قادرة على حمل قنابل أو مواد متفجرة.
ويقول مسؤولون إسرائيليون إن العملية كانت ثمرة عمل استخباراتي معقّد، تخللته مهام كوماندوز سرية داخل العاصمة الإيرانية. وقد وصف الجنرال المتقاعد أساف أوريون الهجوم بأنه “جاء من الجهة اليسرى”، في إشارة إلى أن إيران باتت مطالبة بمراقبة داخلها، لا فقط حدودها الغربية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وخلال خطاب له مساء الجمعة، أشار إلى أن “عنصر المفاجأة” كان حاسمًا، قائلاً: “قلت للرئيس ترامب عندما تحدثنا: المفاجأة هي جوهر النجاح”.
وقد شبّه هذا الهجوم بما نفذته إسرائيل في لبنان العام الماضي، عندما استخدمت عبوات ناسفة مخبأة في أجهزة اتصال لضرب حزب الله، وهو ما أثار إعجاب خبراء الاستخبارات مجددًا في يونيو، عقب الضربة الأوكرانية المفاجئة داخل روسيا.
ويؤكد المحللون أن جوهر هذه العمليات يكمن في العمل الاستخباراتي الطويل والمحفوف بالمخاطر، حيث يتطلب سنوات من التحضير، دون ضمانات للنجاح.
ويقول فرزان ثابت، الخبير في شؤون إيران والتسلّح، إن المسيّرات ما هي إلا أدوات، وإن “طريقة استخدامها تعتمد على الحنكة والإبداع”، معتبرًا أن ما جرى هو “لمحة مما هو قادم”. وأشار إلى إمكانية تهريب المسيّرات بشكل مُجزأ على مراحل، مما يزيد صعوبة اكتشافها، ويجعلها خيارًا مثاليًا في الحروب السرية.
وأضاف ثابت أن إيران تطور منظومة دفاع جوي متعددة الطبقات، يُفترض أنها توفر تغطية بزاوية 360 درجة، لكن الهجوم الإسرائيلي أظهر ثغرات خطيرة، خاصة أن الطائرات المُهاجِمة كانت قريبة جدًا من الأهداف.
ويُجمع الخبراء على أن هذه التكتيكات الجديدة التي توظف المسيّرات في العمق المعادي، كما فعلت أوكرانيا وإسرائيل، ستُصبح جزءًا أساسيًا من النزاعات المستقبلية، إلى أن تُطوّر استراتيجيات أكثر خفاءً أو قوة.
يختم ثابت بالقول: “التكنولوجيا في هذه العمليات مثيرة للإعجاب، لكنها ليست كل شيء. الجانب الأكثر إثارة للدهشة هو الاستخبارات البشرية التي تقف وراءها”.