آخر الأخبار

spot_img

‏طريق إنهاء الحرب في غزة كان واضحا امام نتنياهو منذ نحو عام

صحيفة الثوري- واشنطن بوست: 

يوم الأربعاء، الذي صادف اليوم الـ600 من حرب غزة، واجهت إسرائيل توبيخًا مذهلًا، ليس من أعدائها، بل من أقرب أصدقائها العرب: فقد استدعت دولة الإمارات السفير الإسرائيلي في أبو ظبي للاحتجاج على “الاعتداءات المؤسفة والمسيئة” التي يرتكبها متطرفون ضد الفلسطينيين داخل إسرائيل.

خطوة الإمارات تمثل مقياسًا لمدى العزلة التي باتت تعاني منها حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو — إذ إن الدولة التي كانت أول من احتضن اتفاقيات إبراهيم باتت تشير علنًا إلى أنها قد نفد صبرها، وقد جاء الردّ الدبلوماسي الإماراتي نتيجة حادثة وقعت يوم الإثنين، حين ردد قوميون إسرائيليون متطرفون شعارات وهاجموا فلسطينيين في ساحة المسجد الأقصى في القدس.

بدأ صبر العالم ينفد مع نتنياهو مع استمرار الحرب في غزة، فقد أدانت بريطانيا وفرنسا وكندا الأسبوع الماضي “الأفعال الفاضحة” التي ارتكبتها إسرائيل في هجومها العسكري المتجدد على غزة، كما ندد مسؤول رفيع في الأمم المتحدة يوم الأربعاء بسيطرة إسرائيل على المساعدات الإنسانية واصفًا إياها بأنها “اعتداء على كرامة البشر”.

داخل اسرائيل ايضا يتعرض نتنياهو لهجوم شرس، فقد اتهم رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت هذا الأسبوع حكومة نتنياهو بـ”ارتكاب جرائم حرب”، وكتب في مقال بصحيفة “هآرتس”: “إن حكومة إسرائيل تخوض حاليًا حربًا بلا هدف، بلا خطة واضحة، وبدون أي فرصة للنجاح”.

لكن المشكلة الأخطر التي يواجهها نتنياهو قد تكون في البيت الأبيض، فالرئيس دونالد ترامب مستاء من استمرار القتال في غزة، وربما الأهم من ذلك، أنه يعارض علنًا خطة إسرائيلية مزعومة لضرب إيران.

عندما سُئل ترامب يوم الأربعاء عمّا إذا كان قد حذّر نتنياهو من شن مثل هذا الهجوم في الوقت الذي يحاول فيه مبعوث من البيت الأبيض التفاوض على اتفاق دبلوماسي للحد من برنامج إيران النووي، أجاب: “أريد أن أكون صريحًا، نعم، لقد فعلت”.

لا يوجد خلاف على ان نتنياهو يواجه عدوًا إرهابيًا شرسًا متمثلًا في حركة حماس وحليفتها إيران، ولا بد من التذكير بما تعرض له الإسرائيليون من مجازر يوم السابع من أكتوبر 2023 حين هاجمت حماس عبر السياج الحدودي لغزة، لكن ذلك لا يعفي إسرائيل من مسؤولية إنهاء هذه الحرب، من أجل مصلحتها ومن أجل وقف المزيد من سقوط الضحايا المدنيين الفلسطينيين.

ما يزيد من الألم هو أن القيادات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية كانت مستعدة لتسوية هذا الصراع قبل قرابة عام، فقد تم وضع خطة بالتعاون مع مسؤولين أمريكيين وإماراتيين، لإنشاء “فقاعات أمنية” مهمتها محاصرة العنف، بدءًا من شمال غزة وصولًا إلى الجنوب، بدعم من قوة حفظ سلام دولية تضم جنودًا من دول أوروبية وعربية معتدلة.

وكان من المقرر أن تتولى حكومة فلسطينية، مدعومة من سلطة فلسطينية تم إصلاحها، السيطرة السياسية بدلًا من حماس، ولم تكن هذه مجرد أحلام؛ فقد تم إعداد خارطة طريق مفصلة، وبدأت الخطط لتدريب قوة أمن فلسطينية لتحل محل حماس. وكما يقول لاعبو الغولف، كانت هذه “ضربة يمكن تحقيقها”.

لكن نتنياهو قال لا، إذ طالبت أحزاب ائتلافه اليميني بـ”نصر كامل”، رغم أنهم لم يستطيعوا تحديد ما يعنيه ذلك تحديدًا، أما الإمارات والسعودية، اللتان وافقتا على إرسال قوات وتمويل لضمان الأمن في غزة، فقد ضاق بهما الانتظار.

توقفت خطط ما بعد الحرب عندما وصل ترامب إلى البيت الأبيض وتحدث عن إزالة الفلسطينيين بالقوة واستيلاء أمريكي على غزة، لكن هذه الفكرة تلاشت، وترك ذلك نتنياهو في مواجهة مشكلة لا يعرف كيف يرد عليها سوى باستخدام المزيد من القوة العسكرية.

وهكذا، وبعد هدنة استمرت شهرين، استأنف الحرب في مارس، وقد سهلت حماس عليه ذلك، إذ واصلت الظهور المتباهي أمام الكاميرات، رغم أنها كانت قد استُنزفت عسكريًا.

قد يبدو الصراع الإسرائيلي الفلسطيني مستعصيًا، لكن إنهاء هذا النزاع سيكون نسبيًا أمرًا سهلاً، وقد أُبلغتُ أن المسؤولين العسكريين الإسرائيليين لا يزالون يعملون على خطط “اليوم التالي”، ويواصلون تنقيح التفاصيل حتى هذا الأسبوع، لكنهم لم يتلقوا أي دعم سياسي من نتنياهو.

يقول روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: “مخرج الحل يحدق في وجوهنا منذ وقت طويل”، ويشرح أن الحل يتمثل في مزيج من الدول العربية وفلسطينيي غزة، يعملون تحت مظلة السلطة الفلسطينية، ويضيف: “صحيح أن هناك تعقيدات وتشابكًا في المسؤوليات وخطوطًا غير واضحة، لكنها تلبي كل الشروط لبدء عملية إعادة الإعمار والتأهيل”.

وبعيدًا عن الثمن الفادح الذي دفعه الفلسطينيون من أرواحهم، فقد ألحقت هذه الحرب ضررًا بإسرائيل نفسها، ولا أعني سمعتها الدولية فقط، بل روحها ووجدانها، فالحرب التي بدأت كرد مشروع على فظائع لا توصف، تحولت، كما وصفها أولمرت بدقة، إلى “حرب بلا هدف”، وهذا النوع من الصراع يرتد على أصحابه، وينهش حتى أقوى الأمم وأكثرها فخرًا.

في العادة الدبلوماسيون هم من ينهون الحروب، لكن في هذه الحالة، سأكون راضيًا بمطور عقارات — مثل ترامب أو مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف – فشروط التسوية كانت واضحة منذ عام، وقد حان وقت إبرام هذه الصفقة وإنهاء مأساة غزة.

*. المقالة لديفيد اغناشيوس محلل الشؤون الأمنية في واشنطن بوست
+