آخر الأخبار

spot_img

‏تحليل: التقارب الخليجي الاميركي .. تنافس إقليمي ام رؤية استراتيجية؟ 

صحيفة الثوري  – شبكة CNBC الاميركية: 

إذا كانت دول الخليج العربي ستجري الآن مسابقة شعبية، فسيكون الرئيس دونالد ترامب ملك الحفل.

فقد استُقبل الرئيس الخامس والأربعون والسابع والأربعون للولايات المتحدة بحفاوة بالغة في السعودية وقطر والإمارات خلال زيارته التي استمرت أربعة أيام للمنطقة.

خالف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان البروتوكول الملكي في الرياض، باستقباله ترامب شخصياً على مدرج المطار وكانت سيارات تسلا سيبرتراك الحمراء اللامعة ترافق موكب ترامب في العاصمة القطرية الدوحة إلى جانب فرسان على ظهور الخيل، ومنح الزعيم الإماراتي محمد بن زايد، نظيره الأمريكي وسام زايد، وهو أعلى وسام مدني في البلاد.

وكأن ذلك لم يكن كافياً، فقد استقبل موكب من الجمال الملكية ترامب خارج الديوان الأميري، مقر الحكم في قطر، وقال في حديثه مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، أبدى ترامب إعجابه قائلاً: “كرجل إنشاءات، هذا الرخام مثالي”، مشيراً إلى جدران وأعمدة القصر”، “هذا ما يسمونه البرفكتو. نحن نقدر هذه الجمال”، وأضاف: “لم أرَ جمالاً مثل هذه منذ زمن طويل. ونحن نقدر ذلك حقاً”.

كانت الصور والمشاهد التي قدمها ترامب في زيارته للشرق الأوسط قوية، مما يعكس الفخامة المبالغ فيها التي تتمتع بها أغنى دول البترول في المنطقة — ومدى استعدادها لإنفاق تلك الثروات لتعميق علاقاتها مع الولايات المتحدة وتعزيز أجنداتها الاقتصادية.

الأرقام كانت تاريخية، فقد اتفقت قطر والولايات المتحدة على صفقة “تبادل اقتصادي” بقيمة 1.2 تريليون دولار؛ ووعدت السعودية باستثمار 600 مليار دولار في الولايات المتحدة، ووقعت مشاريع ضخمة مع الإمارات بعد أن تعهدت أبوظبي في مارس بإطار استثماري بقيمة 1.4 تريليون دولار على مدى عشر سنوات في الولايات المتحدة.

لكن هناك بعض الشكوك حول مدى واقعية تلك الأرقام، خاصة في فترة انخفاض أسعار النفط وتراجع عائدات الدول المنتجة للنفط وبعض الصفقات، مثل طلب قطر التاريخي لـ 210 طائرات بوينغ وصفقة الأسلحة السعودية بقيمة 142 مليار دولار — وهي أكبر صفقة أسلحة في التاريخ — قد تستغرق عقوداً لتنفيذها.

لكن الرسالة كانت واضحة: دول الخليج تريد أن تكون في الصف الأول عندما يتعلق الأمر بالشراكة مع الولايات المتحدة، سواء كان ذلك في مجال الأعمال أو الدفاع أو التكنولوجيا.

يقول طارق سولومون، عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الأمريكية في السعودية والرئيس السابق لها: “لطالما كانت دول الخليج تتوافق بشكل أفضل مع الرؤساء الذين يضعون الأعمال في المقدمة، والرئيس ترامب يناسب هذا النموذج تماماً. ولا يزال يمثل المال السريع والدفاع الكبير والوصول إلى التكنولوجيا الأمريكية. لذا، إذا كان التقرب منه يساعد في تأمين مقعد على طاولة النظام العالمي المقبل، فإن الخليج يجلب الكرسي المطلي بالذهب”.

وقد أشار بعض المراقبين إلى أن الدول الخليجية الثلاث تتنافس فيما بينها للحصول على ود ترامب، لكن الكثيرين في المنطقة يقولون إن الأمر يتعلق باستراتيجية طويلة المدى وليست منافسة مباشرة.

ويقول أحمد رشاد، أستاذ الاقتصاد المساعد في منتدى الأبحاث الاقتصادية في أبوظبي: “لا أرى الإعلانات الاقتصادية الكبرى كتنافس بين الدول الثلاث؛ بل أراها تنافساً مع مناطق أخرى — مثل أوروبا — لتعزيز العلاقات مع الإدارة الأمريكية”.

وأضاف: “يبدو أن الصفقات الاقتصادية ضرورية لزيادة جاذبية الزيارة إلى الشرق الأوسط، ومن جهة أخرى، يبدو أن الدافع الأساسي لدول مجلس التعاون الخليجي هو تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة وضمان الوصول إلى التقنيات المتقدمة”.

في السعودية، كانت الأجواء ودية بشكل خاص، حيث تبادل ترامب ومحمد بن سلمان الثناء خلال قمة الاستثمار السعودية الأمريكية التي أُقيمت في فندق الريتز كارلتون الفاخر في الرياض، وحضرها عدد كبير من رؤساء الشركات الأمريكية الكبرى، بما في ذلك إيلون ماسك من تسلا وجينسن هوانغ من إنفيديا ولاري فينك من بلاك روك.

وفي الإمارات، أشاد ترامب والقائد الإماراتي محمد بن زايد بعلاقتهما الشخصية والتحالف الذي يمتد لأكثر من خمسين عاماً بين بلديهما، وكانت الزيارة هي الأولى لرئيس أمريكي إلى الإمارات منذ زيارة جورج بوش الابن للإمارة في عام 2008.

وقد عكست لغة الجسد الودية والتبادل الحر للمديح تبايناً كبيراً في النبرة عن الزيارات التي قام بها مسؤولون من إدارة بايدن، والتي شابها التوتر.

وبالفعل، بدأت الإمارات تحصد ثمار هذا التحول في النهج، فقد أفادت تقارير بأن الولايات المتحدة قد توصلت إلى اتفاق مبدئي مع الإمارات يسمح لها باستيراد نصف مليون شريحة من طراز H100 من إنفيديا سنوياً — وهي الأكثر تطوراً التي تنتجها الشركة الأمريكية، وسيساهم ذلك في تسريع بناء مراكز البيانات اللازمة لتشغيل نماذج الذكاء الاصطناعي في الإمارات.

ويقول توفيق رحيم، المدير التنفيذي لشركة 2040 Advisory ومؤلف كتاب “ترامب 2.5: دليل تمهيدي”: “تعكس زيارة ترامب للخليج تزايد الطابع الشخصي في السياسة الجيوسياسية، وقد استجاب قادة المنطقة لذلك بتقديم عرض فخم للرئيس الزائر. لقد أصبح الإطراء والمجاملات بنفس أهمية الإعلان عن الصفقات ومضمونها”.

وأشار رحيم إلى أن السؤال طويل الأجل يدور بشأن جدوى الاستثمارات: “على سبيل المثال، كم عدد مراكز البيانات التي نحتاجها فعلاً؟ قد يؤدي الإنفاق المفرط من كل دولة إلى خلق فائض في بعض القطاعات يتجاوز الطلب الفعلي في محاولة لأن يكونوا ‘الأكبر’”.

ومع ذلك، يرى سولومون من غرفة التجارة الأمريكية أن الإعلانات الطموحة لا تزال الاستراتيجية الصحيحة: “بالتأكيد، الكثير منها استعراض. ولكن في هذه المنطقة، فإن إظهار الطموح يمثل نصف اللعبة. حتى إذا تحقق 50% فقط، فإنه لا يزال بمثابة ضربة مؤثرة”.