آخر الأخبار

spot_img

الدراما اليمنية.. واقعها وتحدياتها وعلاقتها بواقع اليمنيين

صجيفة الثوري  – منتدى مهام اليمن: 

نظم “منتدى مهام اليمن” مساء السبت الماضي مساحة نقاشية على منصة إكس تناولت الدراما اليمنية، وتحدث فيها نخبة من العاملين والمهتمين بالإنتاج الدرامي والسينمائي في اليمن.

المساحة التي حملت عنوان “طاقات وحدود الدراما اليمنية في مقاربة واقع اليمنيين” ركزت على المشاكل التي تواجهها هذه الصناعة، ومحتواها الرسالي، والمجال المتاح لها للتحسن مستقبلاً، وبالتالي تخفيف حالة الاستقطاب لدى الجمهور اليمني، بين من يقبل عليها باعتبارها منتجاً محلياً يستحق التشجيع والدعم، ومن يهاجمها بدعوى عدم توفرها على الحدود الأدنى من الجودة.

من موقعه كأحد أبرز منتجي الدراما في الساحة اليمنية، اعتبر خالد المراولة أن الحديث عن الدراما “متمحور حول التحديات” بشكل أساسي، وسرد مجموعة من الصعوبات التي تعترض تقديم مسلسلات توازي في جودتها المسلسلات العربية.

أزمة نقود ونصوص

استهل المراولة، وهو منتج “قرية الوعل”،”دكان جميلة” و”طريق إجباري” وغيرها من المسلسلات الرمضانية ، سرده لهذه التحديات بالإشارة إلى ندرة كتاب السيناريو اليمنيين المحترفين، والقادرين على إبداع ” النص الذي يوصل القصة والفكرة ويراعي كيفية إيصال القصة مع الظروف الإنتاجية والبيئة المحيطة”.

يعني المراولة ب”الظروف الإنتاجية” بشكل أساسي محدودية الميزانيات الإنتاجية التي توفرها القنوات اليمنية التي لديها أساساً نقص في الموارد مع تراجع الإعلانات في ظل الحرب، وبالنسبة له فإن احترافية النص ترتبط ارتباطاً وثيقاً بمراعاة مسألة التمويل.

“هناك كتاب يكتبون سيناريو حلو، ولكنه لا يراعي ظروف الإنتاج والميزانية، فيسرح بخياله جداً، وإذا طبقت رؤيته في السيناريو تحتاج ثلاثة أضعاف الميزانية. مثلا قرية الوعل كان عمل فنتازي وتجربة جديدة، ولكن كان هناك إغراق في الأكشن، والأكشن يحتاج أموال كبيرة، مثلاً الطعنة، تكلف 700 دولار من خنجر تروكاج، وكيس دم وووو وهكذا”

المخرج يوسف الصباحي سلط مزيداً من الضوء على تقاطع أزمة النص مع أزمة التمويل من خلال استحضار تجربة”ورشة الكتابة” التي هي جزء أساسي من صناعة الدراما عالمياً، وبدأت تجذر نفسها في الدراما العربية خلال السنوات الماضية، لكنها تغيب تماماً في اليمن لأسباب عدة، على رأسها محدودية الميزانيات; لكن الصباحي، الذي يقيم في لوس أنجلس ويرأس “قسم التاريخ الشفهي” في “أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة” المانحة لجوائز الأوسكار، لا يرى النص أهم تحديات الدراما في اليمن.

ويمكن تعريف ورشة كتابة السيناريو بأنها جلسات جماعية يتعاون فيها مجموعة من الكتاب المحترفين وحتى الهواة من أجل إبداع سيناريو عمل درامي، بحيث تتكامل نقاط القوة لدى الكتاب من أجل بناء القصة، وخلق الشخصيات، وتطوير الحوار والصراع وغيرها من عناصر السيناريو.

ضيق الزمن وفسحة المكان

وعلى النقيض مما يظنه الكثير من المنتقدين أن الطابع الموسمي للإنتاج الدرامي في اليمن يُفترض أن يتيح للقائمين على الصناعة وقتاً أكبر لتجويد العمل، أجمع متحدثو المساحة أن إنتاج مسلسل واحد كل عام من أجل أن يُعرض في ٣٠ حلقة خلال شهر رمضان يحد من خيارات المنتجين و يقلص من مساحة التحضير للمنتج الدرامي.

“الإنتاج الموسمي يجعل تطورك واستفادتك من الأخطاء موسمية” يجزم نصر النمر، الكاتب والمنتج والمخرج اليمني المقيم في السعودية، والذي عاد إلى اليمن العام الماضي وشارك في إخراج مسلسل “طريق إجباري” الذي عرضته قناة بلقيس، ولاحظ أن الدراما اليمنية “تُحاكم” بقسوة، قياساً على ظروف الإنتاج ومشكلة التمويل.

إلى جانب العيب المتمثل في بطء التطور، تطرق كل من الصباحي والنمر إلى مشكلة أخرى يفرضها الإنتاج الموسمي وتساهم فيها محدودية الميزانية، وهي اضطرار المنتجين إلى توزيع العمل الدرامي على ٣٠ حلقة، حتى وإن كان السيناريو الأصلي قابلاً للتكثيف في عدد أقل من الحلقات، وهو ما يأتي في العادة على حساب الجودة.

لكن في مقابل القيد الزمني، يتيح المكان في اليمن للمنتجين خيارات جيدة، و”لوكيشنات مفتوحة تُعتبر مدن إنتاج”، على حد وصف خالد المراولة الذي قال أن تجاربه الإنتاجية خارج اليمن كانت مكلفة وتزيد الأعباء على الميزانية، حيث كان يضطر في مصر مثلاً إلى “بناء لوكيشن من الألف إلى الياء” داخل “مدينة الإنتاج الإعلامي” المخصصة للإنتاج.

الواقع إذ يحضر في الإنتاج ويغيب في المنتَج

في معرض حديثه عن التحديات التي تواجهها الدراما اليمنية، أكد نصر النمر على أن آلية الإنتاح الدرامي تحديداً قائمة بالكامل على القنوات التلفزيونية التي بدورها تعتمد على التمويل من الخارج بسبب غياب الإعلانات، ما يضع هذه الصناعة ضمن تسلسل هرمي يتماشى مع الوضع العام في اليمن. هذا الواقع يترك لأصحاب الصناعة خيارين: إما التوقف وانتظار تحسن الأحوال في البلاد، أو الاستمرار في المحاولة ومراكمة التطور، مهما كان ضئيلا.

لكن إذا كان واقع اليمن يفرض نفسه بقوة على صناعة المسلسلات اليمنية، فإن هذه المسلسلات لا تعكس واقع اليمنيين كثيراً، حيث أن من أبرز المآخذ على هذه الأعمال طوال السنوات الماضية كان عدم انعكاس حياة اليمنيين ومشاكلهم فيها؛ ولا يقتصر ذلك على السيناريوهات، فحتى اللهجة المستخدمة في الكثير من المسلسلات بدت لعدد من المتابعين مستعارة أو مخترعة، وقليلة الصلة باللهجات الطبيعية التي يستخدمها اليمنيون في حياتهم اليومية.

في هذا السياق، يعتقد يوسف الصباحي أن المسلسلات اليمنية أقرب للتصنيف تحت فئة “الميلودراما” من ال”الدراما”، وبالتالي فإن مطالبتها بمقاربة واقع اليمنيين غير منطقية، لأن المسلسلات التلفزيونية بشكل عام لم تكن تركز على عكس تعقيدات الواقع في أي مكان في العالم، وأن هذه المهمة ظلت “حتى منتصف التسعينات تقريباً” من اختصاص السينما؛ فما بالك بالتفزيون اليمني الذي يعاني من اختلالات في أساسيات صناعة المسلسلات، بحسب الصباحي.

” لا أعتقد أن هذا النوع (الميلودراما) يفشل في مقاربة الواقع. هو دائماً سيفشل في مقاربة الواقع لأنه لا يحاول أساساً مقاربة الواقع، ولا يرى نفسه كفاعل ثقافي حتى وإن ادعى معالجة قضايا اجتماعية، زواح الصغيرات، الثأر، حقوق المرأة”، قال الصباحي، وأضاف أن المسلسل اليمني في وضعه الحالي “يستغل مثل هذه القضايا لاستدرار المشاعر لدى المشاهد ومنح نفسه مسؤولية أخلاقية”.

إشكالية الرسالة في المسلسلات اليمنية

الصحفي والناقد الفني محمد الكرامي توسع أكثر بخصوص الرسالة الفنية في الدراما اليمنية، إذ قال أن الدراما اليمنية في بداياتها، وتحديداً في ستينات القرن الماضي، كانت متحررة من مسألة الرسالة التي قيدت السينما والدراما في السياقات الشمولية عالمياً مثل الاتحاد السوفياتي وإسبانيا، أو الأنظمة السلطوية على المستوى العربي كما كان الحال في مصر.

ويعزو الكرامي هذا الأمر إلى أن الأنظمة اليمنية الوليدة لم تكن واعية بخطورة هذا الفن وقدرته على إيصال الرسائل السياسية والإيديولوجية، خصوصاً النظام السياسي في شمال اليمن، وأن ذلك ساهم في تخفيف الرقابة السلطوية على السينما.

“طبعاً هذه الظروف تدهورت في التسعينات، بعد اجتياح نظام علي صالح لجنوب اليمن، فنشأت رقابة على الفضاء العام وكان هناك هجوماً على السينما، وعلى الجمهور، وعلى الممثلات تحديداً”، وأضاف الكرامي أن هذه المستجدات أدت إلى مغادرة بعض صناع الدراما لليمن وإلى التزام الباقين ب “السياقات الاجتماعية”.

الجدل حول التزام المسلسلات بالتقاليد الاجتماعية يتجدد في اليمن كل عام ومع كل مسلسل تقريباً، فكثيراً ما يجري اتهام العاملين في هذه الصناعة، وتحديداً الممثلات، بتحدي أعراف “العيب الاجتماعي”، وفي العادة يضطر صناع الدراما إلى الخروج لإعلان الالتزام بالتقاليد، وتبرير المشاهد المثيرة للجدل بأنها من ضرورات السياق الدرامي.

“مثلا شخص زوجته في البيت ليس بالضرورة أن تكون لابسة البالطو” يقول خالد المراولة في هذا السياق، ويضيف أنه “ضد الانفتاح الزائد” وضد ما يخل بالسياق الدرامي في نفس الوقت.

خيارات مؤقتة لمواجهة القيود

بالنسبة ليوسف الصباحي، يستطيع المنتجون اليمنيون إرضاء الجمهور المتعطش لإنتاج فن سردي بصري يعكس واقع المواطن وتعقيداته من خلال الاتجاه للإنتاج السينمائي. يجادل الصباحي بأن الفيلم يمنح المنتج اليمني مساحة للتجريب، وتطوير أداء الممثلين، من دون الحاجة إلى ميزانية كبيرة كما هو الحال مع مسلسل مكون من ٣٠ حلقة.

إلى ذلك، وجد الصباحي أن على صناع المسلسلات اليمنية التفتيش في تجارب أمم أخرى في تطوير هذه الصناعة، وألا يكتفوا بالنموذجين المصري والسوري، خصوصاً أن لكل بلد تجربة خاصة في هذا الشأن ويمكن الاستفادة منها.

بدوره، أكد نصر النمر على أن إنتاج ٣٠ حلقة مسألة مكلفة جداُ، مقترحاً الاحتذاء بظاهرة المسلسلات القصيرة التي تنتجها المنصات العالمية مثل إتش بي أو ونتفلكس، من ناحية تكثيف القصة في حلقات أقل لضمان انجذاب المشاهد.