صحيفة الثوري- المحرر الثقافي:
في قلب كريتر، حين كان الصمت يُغطّي الأزقة الضيقة، كانت هناك امرأة تُحوّل منزلها إلى مركز ثوري نابض بالحياة. إنها نجوى مكاوي، واحدة من أبرز رموز الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني، وأول من كسرت الطابع البرجوازي للعلاقات الاجتماعية النسوية، لتحوّله إلى فعلٍ ثوري عملي.
وُلدت نجوى مطلع أغسطس 1943 في مدينة عدن، وعانت من اليُتم المبكر بفقدان والديها وهي في عامها الثاني، فتولى جدها لأبيها كفالتها، وأحاطها بعناية فائقة، مانحًا إياها إرث والديها كاملًا عند بلوغها سنّ الرشد. وبين دفء الجد وجمر الطفولة، بدأت ملامح الرفض والاستقلال تتشكّل في وجدانها.
تشكّلت ميولها النضالية مع انضمامها إلى جمعية المرأة العربية التي تأسست عام 1961 في عدن بقيادة المناضلة رضية إحسان الله، ضمن موجة التحرّر العربي المتصاعدة آنذاك. وفي صفوف الجمعية، برزت أسماء نضالية عدنية نسائية لامعة رافقتها، من أمثال عائدة علي سعيد، زهرة هبة الله، فتحية باسنيد، ونجيبة محمد عبدالله.
حين بدأ إضراب الطالبات في كلية البنات في خور مكسر، تولّت نجوى دورًا لوجستيًا محوريًا في دعم التحرك الشعبي، بنقل الطالبات والتنسيق بينهن وبين المجتمع المحلي، كما أسهمت في استقطاب عدد من النساء من داخل الجمعية وخارجها إلى صفوف الجبهة القومية عقب تأسيسها عام 1963، مسلحة بقدرتها على الإقناع وسهولة تحركها في المدينة.
برز دورها الفدائي المباشر بين عامي 1963 و1967، حين كانت تُنقِل السلاح للمقاتلين، وتؤمّن لهم مأوى بعد تنفيذ العمليات، وتسهم في إنقاذ الجرحى. كما كانت من المشاركات في المؤتمر الثاني للجبهة القومية المنعقد بمدينة جبلة (إب) في يونيو 1966، وانتُخبت حينها ضمن قيادة القطاع النسائي للجبهة.
وفي 11 فبراير 1967، لعبت دورًا جريئًا في استلام جثمان الشهيد عبود علي غالب من مستشفى الملكة بخور مكسر، بعد أن رفضت الإدارة تسليمه لرفاقه. بتنكر ذكي، تظاهرت مع ثلاث من رفيقاتها بالبكاء والصراخ أمام المشرحة حتى تم الإفراج عن الجثمان، ليُشيّع لاحقًا بجنازة مهيبة من منزل في الخساف.
تزوّجت نجوى لاحقًا من المناضل المعروف عبدالوارث سعيد الإبي، أحد أبرز المؤرخين للعمل الفدائي في عدن، والرجل الذي يُنسب إليه استقطاب الشهيد عبود إلى العمل المسلح في الجبهة القومية. غير أن زواجها منه انتهى لاحقًا بالانفصال.
رغم نضالها الطويل، لم تُمنح أي وظيفة رسمية بعد الاستقلال، ونفدت مدّخراتها التي أنفقتها على دعم العمل الفدائي وشراء الأسلحة، ما اضطرّها للسفر إلى الكويت لفترة قصيرة للعمل، لكنها عادت بطلب من رفيقها علي عنتر، الذي وجّه بمنحها معاشًا شهريًا.
في سنواتها الأخيرة، أُصيبت بالكبد الوبائي، وباعت منزلها لتغطية نفقات العلاج، قبل أن تفارق الحياة في 20 يونيو 1981، في ذكرى اليوم الذي قادت فيه دبابة الجبهة القومية معلنةً سقوط كريتر بيد المقاومة.
كرّمتها عدن بإطلاق اسمها على وحدة سكنية في المنصورة – “وحدة نجوى مكاوي” – باقتراح من رفيقها وزير الإسكان آنذاك أحمد محمد قعطبي، ليظل اسمها محفورًا في الذاكرة الجمعية، وإن جهل كثيرون التفاصيل النضالية لسيدة تُعدّ إحدى أيقونات ثورة 14 أكتوبر المجيدة.
المراجع:
سعاد العلس، “نجوى مكاوي؛ سيدة الفوضى اللذيذة والحنو الشفيف”
شهادات من مناضلات الجبهة القومية