آخر الأخبار

spot_img

حتى لا يتكرر شعار “الإنسانية” الملتبس في تعريف ملتبس للدولة

“صحيفة الثوري” – كتابات:

د. ياسين سعيد نعمان 

لم يدرك أولئك الذين رفعوا شعار ” الانسانية” الملتبس في وجه قوات الشرعية وهي على خطوات قليلة من استعادة الحديدة وموانئها عام ٢٠١٨ أنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة مع أولئك الذين منحهم ذلك التدخل باسم الانسانية الوقت ، والفرصة ، والحجة ، والسلاح لاستعراض عضلاته كجزء من مشروع إقليمي تخريبي توسعي تقوده إيران ضد المصالح الإقليمية والدولية ، وذلك بعد أن استكمل استعراض عضلاته على الشعب اليمني بسلاح ايران ومظلة “الانسانية” الملتبس ، والتي توسعت ، بعد ذلك ، لتغطي كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الحوثي بحق اليمنيين.

وليس غريبًا أن تكون المواجهة في نفس المكان الذي رفع فيه “قفاز الانسانية” يومذاك في وجه قوات التحرير ، لتؤكد للذين لم يستوعبوا خطورة هذا المشروع حينئذ ، بل واستخفوا بالدماء التي سالت حتى ذلك الوقت لمواجهته ، أن الثمن الباهض الذي دفعه اليمنيون ، ولا زالوا يدفعونه إلى اليوم ، بما في ذلك ميناء رأس عيسى الذي بني من عرق وجهد وكفاح اليمنيين، يعود سببه إلى تجاهل البعض استيعاب الطبيعة المليشاوية المغتصبة للسلطة، والتي تتناقض موضوعيًا مع مكون الدولة ومؤسساتها الدستورية وعقدها الاجتماعي.

فالدولة لديها حساسية عالية ، واستجابة سريعة ، تجاه ما يُعرِّض شعبها ومصالحه للخطر . ومؤسساتها الدستورية مسئولة عن حمايته وحماية مصالحه من أي خطر تتعرض له .. وفي سبيل ذلك فإنها تتجنب كل ما يمكن أن يقود إلى هذه المخاطر ، وتحسب حساب كل ما من شأنه أن يعرضه للخراب ، أو يفقد الشعب حقه في ممارسة حياته الطبيعية ، وفي إطارها حقه في نقد ومقاومة أي إنحراف عن أداء هذه المسئولية التي تنتظم في نطاق ما يعرف بالعقد الإجتماعي.

على نقيض من ذلك نجد أن المليشيات ، المغتصبة لسلطة الدولة ، تقوم على منهج مختل في علاقتها بالشعب ، كما أنها لا تتمتع وفقًا لذلك بأي حساسية ، أو استجابة ، لحمايته والدفاع عن مصالحه . كل ما يهمها هو حماية مصالح الجماعة التي تنتمي إليها ، وكل ما عدا ذلك فإنه إنما يُستخدم كدروع لحماية الجماعة ، وخسارة أيٍّ منها لا تعني لها أكثر من فقدانها درعًا لا تنتمي إليه ، ولا ينتمي إليها.

وهنا بيت القصيد فيما نعنيه بحساسية الدولة تجاه أي خسارة يتعرض لها الشعب ومصالحه ، وكيف أن أي خسارة من هذا النوع تهزها من الأعماق ، وقد تسقط السلطة الحاكمة . بينما تفتقر السلطة المليشاوية لهذه الحساسية تجاه ما يتعرض له الشعب ومقدراته بسب الفجوة الكبيرة بين مصالح الشعب ومصالح الجماعة ، وبالتالي فإنه لا يسقطها سوى ضرب مصالحها المباشرة.

لا تخطئوا مرة أخرى في معرفة طبيعة هذه المليشيات ، مرة باسم الانسانية ، ومرة أخرى بالنظر إليها ك”دولة” كما لو أنها تتمتع بدرجة ما من الحساسية تجاه مقدرات الشعب . لقد استفادت في المرة الأولى من قفاز “الانسانية” الملتبس ، وقد تستفيد هذه المرة من أي مقارنة ملتبسة مع الدولة لتبدو كما لو أن لديها أي حساسية تجاه مقدرات ومصالح الشعب .