“صحيفة الثوري” – تحليل:
سام أبواصبع
تشهد محافظة حضرموت، منذ سنوات، تجاذبات متصاعدة بين قوى محلية وإقليمية، تتعدد فيها العناوين بينما تظل الحقيقة الجوهرية واحدة: صراع نفوذ تدور رحاه في ظل غياب مشروع وطني جامع، وتفاقم أزمة الشرعية اليمنية التي ما زالت عاجزة عن تحقيق الاستقرار في أي من المحافظات المحررة.
حيث تعيش المحافظة اليوم وضعًا مركبًا من التداخلات السياسية والتاريخية، يضعها في صلب معادلة معقدة تمتد من الجنوب حتى الشمال، وتتشابك فيها مشاريع الحكم، والهويات، والتمثيل السياسي، وسط سياق وطني أوسع تتعرض فيه الجمهورية اليمنية، ككيان جامع، لأخطر التهديدات منذ قيامها.
ورغم ما تملكه حضرموت من ثقل سكاني، جغرافي، واقتصادي، وما تتمتع به من إرث مدني وثقافي، إلا أن موقعها ظل محل تجاذب بين قوى ومشاريع متباينة، تحاول كل منها رسم مستقبلها من منظور مصلحي أو جهوي، في ظل غياب معالجات جذرية ترتكز إلى رؤية وطنية شاملة.
بين مطامح الداخل واستقطابات الخارج
برزت في السنوات الأخيرة مطالب شعبية متعددة في حضرموت تدعو إلى تمكين أبنائها من إدارة شؤونهم الأمنية والسياسية والاقتصادية بشكل مستقل، انطلاقًا من تراكم طويل من التهميش والتبعية، ومن شعور متزايد بالحاجة إلى استعادة القرار المحلي.
هذه المطالب لم تأت من فراغ، بل جاءت في سياق ما تعانيه مدن الساحل والوادي من تفاوت في الخدمات، واختلالات في منظومة الأمن والإدارة، وفجوات في التمثيل داخل مؤسسات الدولة، إلى جانب تصاعد استياء شعبي من استمرار الوصاية المفروضة على القرار الحضرمي من خارج المحافظة.
وفي المقابل، تستمر قوى سياسية جنوبية، بينها المجلس الانتقالي، في طرح مشاريع تتقاطع جزئيًا مع هذه الرغبات، ولكن من منظور مركزي جنوبي، يرى في حضرموت مكونًا من مكونات دولة جنوبية موحدة، وهو ما يثير تساؤلات داخل أوساط حضرمية متنوعة حول طبيعة هذا التمثيل، وضمانات الإدارة الذاتية في حالة الاندماج.
الاشتراكي.. من توحيد الجنوب إلى رؤية فدرالية ضامنة
في خضم هذه التفاعلات، يبرز الحزب الاشتراكي اليمني كأحد أبرز القوى التي خاضت تجربة توحيد الجنوب في كيان وطني واحد عقب الاستقلال من الاستعمار البريطاني عام 1967، متجاوزًا حالة التشظي التي كانت عليها السلطنات والمشيخات حينها.
هذه التجربة، رغم ما شابها من أخطاء وسياقات معقدة، قدمت نموذجًا تاريخيًا في بناء دولة جمهورية جنوبية موحدة، نقيضًا لحالة التجزئة السياسية التي يراد اليوم إعادتها بصيغ جديدة.
لاحقًا، في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، كان الحزب الاشتراكي من أوائل من طرحوا مشروع الدولة الفدرالية من إقليمين (شمالي وجنوبي)، ليس فقط بوصفها صيغة عادلة لتوزيع السلطة والثروة، بل كضمان لحماية الجنوب من العودة إلى التنازع الداخلي، وتفكيك كياناته، بما في ذلك حضرموت، إلى مكونات متصارعة أو تابعة.
المشكلة اليمنية.. الجذر المشترك لكل أزمات الأطراف
غير أن الحديث عن حضرموت أو الجنوب أو الشمال لا يمكن فصله عن المشهد اليمني العام، حيث تواجه الجمهورية اليمنية، منذ انقلاب جماعة الحوثي وعودة مشروع الإمامة بصيغته الطائفية والسلالية، خطرًا وجوديًا تمثل في تفكيك مؤسسات الدولة، وضرب الهوية الوطنية، وإعادة إنتاج الصراعات المناطقية والمذهبية.
هذا الانقلاب لم يدمر فقط البنية السياسية والعسكرية للدولة، بل زعزع النسيج الاجتماعي شمالًا وجنوبًا، وفتح الباب أمام صراعات داخلية على مستوى المحافظات، كلٌ منها يبحث عن خلاصه الخاص، بعد أن تعطل المشروع الوطني الجامع.
وفي هذا السياق، فإن أي نقاش حول حضرموت أو الجنوب أو أي إقليم آخر، دون الاعتراف بأن ما يدور هو ضمن مأساة وطنية أوسع، هو اختزال خطير للواقع. فالأزمة ليست فقط في تمثيل حضرموت، بل في تآكل الإطار الجامع المتمثل بالجمهورية، وتعدد مراكز القرار، وانهيار الثقة بالمؤسسات.
نحو حل يبدأ من استعادة المشروع الوطني
أمام هذا التعقيد، لا يمكن لحضرموت أن تجد استقرارًا حقيقيًا في ظل استمرار الانقسام الوطني، وتعدد المشاريع المتضادة، دون العودة إلى مشروع وطني شامل يعيد الاعتبار للجمهورية، ويمنح كل منطقة، بما فيها حضرموت، إدارة ذاتية حقيقية داخل إطار دولة فدرالية ديمقراطية.
إن تجزئة الحلول وفق الجغرافيا لن يقود إلا إلى مزيد من التشظي، بينما الفدرالية المتكاملة على أساس إقليمي منصف، كما طرحها الحزب الاشتراكي، تمثل الخيار الأكثر عقلانية وقدرة على استيعاب المطالب المحلية، دون تمزيق الدولة.
حضرموت لا تحتاج إلى وصاية جديدة، ولا إلى مشروع يضمها شكليًا، بل إلى شراكة حقيقية في تقرير مصيرها ضمن دولة تحفظ كرامة مواطنيها وتستوعب تنوعهم وتمنع عودتهم إلى مربع الاحتراب أو التبعية.