آخر الأخبار

spot_img

لا نريد مشيخات جديدة.. نريد دولة تحترم شعبها

“صحيفة الثوري” – كتابات:

اللواء سعيد الحريري

أثار قرار رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، بتشكيل لجنة تحضيرية لما سماه “مجلس شيوخ الجنوب العربي” جدلاً واسعًا، ليس فقط بسبب التسمية المستقاة من مرحلة ما قبل الاستقلال، بل لما يحمله القرار من دلالات تتجاوز الرمزيات إلى محاولة إعادة تشكيل المشهد الاجتماعي والسياسي وفق أنماط تقليدية لم تعد تلائم تطلعات شعب الجنوب ولا متطلبات بناء الدولة.

إن الحديث عن “شيوخ الجنوب العربي” يفتح الباب أمام أسئلة مشروعة: من هم هؤلاء الشيوخ؟ هل هم أصحاب سلطة اجتماعية متوارثة، أم أسماء ستُعيَّن بقرار فوقي؟ وهل هذا المجلس محاولة لإعادة إنتاج المشيخات والسلطنات التي أسقطتها ثورة 14 أكتوبر، أم مجرد خطوة رمزية لاسترضاء بعض المكونات القبلية في لحظة سياسية حرجة؟

الواقع أن الجنوب، بعد سنوات من الحرب والمعاناة والانقسامات، لا يحتاج إلى كيانات فوقية جديدة تُضاف إلى مشهد سياسي مأزوم، بل إلى مشروع وطني جامع يُبنى على قاعدة المواطنة، والمؤسسات، والدستور، وليس على أساس التراتب القبلي أو المرجعيات التاريخية المنتهية.

إن تشكيل مجلس شيوخ بهذه الطريقة يطرح مخاوف حقيقية من إعادة هندسة التركيبة الاجتماعية الجنوبية وفق أجندات سياسية آنية، وليس انطلاقًا من تطور طبيعي للعلاقات المجتمعية. وهذا بحد ذاته يُهدد النسيج الاجتماعي، ويُعيد إنتاج النزاعات المناطقية والقبلية التي عانى منها الجنوب طويلًا.

الاعتراف الرمزي ببعض الأُسر أو المشايخ الذين تم تهجيرهم بعد الاستقلال يمكن أن يكون جزءًا من مصالحة وطنية شاملة، لكن توظيف ذلك سياسيًا اليوم، وفتح الباب لعودة سلطات ما قبل الدولة، هو عودة إلى الوراء لا إلى المستقبل.

الجنوب بحاجة إلى بناء مؤسسات الدولة، ضبط الإيرادات، كبح الفساد، وإرساء العدالة، وليس إلى مجالس لا تملك سندًا دستوريًا أو قانونيًا، وتُكرّس منطق التعيين القائم على الولاءات لا الكفاءات.

إن أخطر ما في هذا القرار أنه يُحاول تعويض غياب الشرعية الشعبية للمجلس الانتقالي عبر خلق “شرعيات بديلة” اجتماعية أو قبلية، وهو مسار قد يؤدي إلى مزيد من التشظي لا التماسك.

وفي ظل غياب الدستور، وانعدام التمثيل الشعبي الحقيقي، فإن مثل هذه القرارات التي تمس النسيج الاجتماعي والمستقبل السياسي للجنوب تفتقر للشرعية الحقيقية، وتُعد قفزًا على حق الناس في تقرير مصيرهم عبر صناديق الاقتراع، لا عبر المجالس المعينة سلفًا.

إن الجنوب لا يحتاج إلى شيوخ جدد، بل إلى مشروع دولة جديدة، تُبنى على إرادة الشعب لا على استدعاء الماضي.