“صحيفة الثوري” – ثقافة وفكر:
حسين مروة هو أحد أبرز المفكرين العرب في القرن العشرين، وأحد أهم رواد الفكر الماركسي في العالم العربي، حيث أسهم في إعادة قراءة التراث الإسلامي والفلسفة العربية من منظور مادي تاريخي، محاولًا الكشف عن النزعات التقدمية والعقلانية فيه. وُلد عام 1910 في قرية حداثا جنوب لبنان، ونشأ في بيئة دينية، حيث تلقى تعليمه في النجف بالعراق، لكنه سرعان ما بدأ رحلة فكرية تجاوزت الفكر التقليدي نحو الأفق التقدمي والماركسي.
النشأة والتحول الفكري
بدأ مروة تعليمه في الحوزة العلمية في النجف، حيث درس الفقه والفلسفة الإسلامية، لكنه سرعان ما خاض رحلة فكرية نقدية جعلته يعيد النظر في المفاهيم التقليدية، متجهًا نحو الفكر التقدمي والمادي الجدلي. عاد إلى لبنان حيث انخرط في العمل الفكري والسياسي، ليصبح أحد أعمدة الفكر اليساري في البلاد.
المسيرة الفكرية والسياسية
انضم مروة إلى الحزب الشيوعي اللبناني في منتصف القرن العشرين، وكرّس حياته لإعادة قراءة التراث الإسلامي بعيون نقدية، محاولًا إبراز البعد العقلاني والمادي في الفلسفة الإسلامية الكلاسيكية. يُعد كتابه الأشهر “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية” (1978) علامة فارقة في الفكر العربي الحديث، حيث قدم فيه رؤية جديدة تتحدى السرديات التقليدية حول التراث، وأثبت من خلاله وجود نزعات مادية وعقلانية في الفكر العربي الإسلامي، وخاصة لدى فلاسفة مثل ابن سينا، الفارابي، وابن رشد.
إلى جانب عمله الفكري، كان ناشطًا سياسيًا بارزًا ومدافعًا عن العدالة الاجتماعية وحقوق الطبقات الكادحة، وشارك بفاعلية في الصراعات الفكرية والسياسية التي شهدها لبنان والعالم العربي خلال القرن العشرين. كما ترأس تحرير مجلة الطريق الثقافية بين عامي 1966 و1987، وكان عضوًا في مجلس تحرير مجلة النهج الصادرة عن مركز الأبحاث والدراسات الاشتراكية في العالم العربي.
الاغتيال والصراع الفكري
في 17 فبراير 1987، اغتيل حسين مروة في منزله ببيروت على يد مجموعة مسلحة تابعة لتنظيم أصولي شيعي، في سياق حملة منظمة استهدفت قيادات الحزب الشيوعي اللبناني والمثقفين اليساريين، وعلى رأسهم مهدي عامل الذي اغتيل بعده بفترة وجيزة. جاء اغتياله في خضم الصراع بين التيارات العلمانية واليسارية من جهة، والجماعات الإسلامية المتشددة التي كانت تكتسب نفوذًا خلال الحرب الأهلية اللبنانية من جهة أخرى، في محاولة لإخماد الأصوات الفكرية التي دعت إلى التغيير الاجتماعي والتقدمية في مواجهة المد الأصولي والطائفي.
الإرث والتأثير
رغم اغتياله، ظل فكر مروة حاضرًا في المشهد الثقافي العربي، حيث ألهمت أعماله أجيالًا من المثقفين الذين سعوا إلى إعادة قراءة التراث الإسلامي بعيون نقدية تقدمية. شكلت كتاباته مرجعًا أساسيًا للباحثين في الفكر العربي، الفلسفة، والنقد الأدبي، وظل إرثه الفكري منارة في وجه محاولات طمس الأصوات التنويرية.
أهم أعماله
النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية (1978) – دراسته الأهم التي أثارت جدلًا واسعًا
دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي (1965)
تراثنا كيف نعرفه؟ (1985) – قراءة جديدة للتراث الإسلامي
الثورة العراقية (1958) – تحليل سياسي للحراك العراقي
قضايا أدبية (1956) – دراسات نقدية في الأدب
ولدت شيخًا وأموت طفلًا (1990) – سيرة ذاتية
دراسات في الفكر والأدب (1993) – مقالات في الفكر التقدمي
أدواره القيادية والمهنية
عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني
رئيس تحرير مجلة الطريق الثقافية (1966 – 1987)
عضو مجلس تحرير مجلة النهج
أحد مؤسسي اتحاد الكتاب اللبنانيين (1948)
يبقى حسين مروة رمزًا من رموز الفكر النقدي العربي، ومثقفًا حمل مشروعًا تنويريًا ظل صامدًا رغم محاولات إسكاته، ليسطع فكره كمنارة للفكر الحر والتقدمي، في مواجهة القوى التي سعت إلى إطفاء صوته، لكنه بقي خالدًا عبر إرثه الفكري العميق.