(صحيفة الثوري) – كتابات :
أ.د. محمد علي قحطان (القحطاني)
في نهاية العام الماضي، أعلنت السعودية عن منحة مالية للبنك المركزي اليمني في عدن بمبلغ 500 مليون دولار أمريكي، منها 200 مليون دولار لمواجهة رواتب الموظفين لأربعة أشهر، و300 مليون دولار وديعة للبنك المركزي لمواجهة التدهور في سعر الصرف. وتبع ذلك إعلان صرف إكراميات للمكونات العسكرية بالريال السعودي.
لذلك، كان من المتوقع أن يوقف هذا الإجراء تدهور سعر صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، استنادًا إلى قانون العرض والطلب، إلا أن المفاجأة جاءت عكس ذلك، حيث استمرت قيمة الريال اليمني في التدهور مقابل العملات الأجنبية بوتيرة أسرع وأعلى مما كانت عليه. الأمر الذي أثار سؤال عنوان هذه المقالة: ما أسباب استمرار التدهور بالرغم من وفرة العملات الأجنبية (الدولار الأمريكي والريال السعودي) وظهور عجز لدى محلات الصرافة في السيولة النقدية بالريال اليمني؟ فقد كان من المفترض، وفقًا لقوانين السوق، أن يتراجع سعر صرف الدولار الأمريكي والريال السعودي مقابل الريال اليمني، أو على الأقل يتوقف التدهور في سعر الصرف.
وبرأينا، يمكن استخلاص الإجابة على هذا السؤال من خلال ملاحظة الاختلالات التالية:
أولًا: جاءت المنحة السعودية الأخيرة المشار إليها سابقًا بعد استمرار أزمة مالية واجهت الحكومة لعدة شهور، ما أدى إلى تراكم مديونية الحكومة من مستحقات كبار منتسبي الدولة المقيمين في الخارج، بالإضافة إلى التزامات الحكومة للإنفاق على السلك الدبلوماسي اليمني المتضخم في الخارج، وجموع النازحين المقيمين خارج البلاد الذين يستنزفون قدرًا كبيرًا مما يتم تدفقه من عملات أجنبية لتغطية نفقاتهم في البلدان التي يعيشون فيها، وكذلك الإنفاق الخارجي على التعليم والصحة وبدلات السفر والمساعدات البذخية المتزايدة. كما أن رواتب صغار الموظفين المقيمين بالداخل توقفت لعدة شهور بسبب عجز الحكومة عن توفيرها من الإيرادات العامة للدولة، نتيجة تفشي مظاهر الفساد في الأوعية الإيرادية وغياب سلطات الدولة العليا عن الواقع، نظرًا لبقائها في الخارج بعيدًا عن صلاحياتها ومسؤولياتها التي وُظّفت لأجلها. كل ذلك أدى إلى استنزاف الموارد المالية المتاحة، سواء المتحصلة من أوعيتها الإيرادية أو من المساعدات والمنح الخارجية، والتي كان آخرها المنحة السعودية الأخيرة.
ثانيًا: تغوّل الفاسدين في الأوعية الإيرادية للدولة، ما أدى إلى استغلال أي فرصة، مثل المنحة السعودية الأخيرة، والعمل على ابتلاعها بأوجه فساد مختلفة.
ثالثًا: هناك تسريب مستمر للعملات الأجنبية إلى مناطق سيطرة الحوثيين وللخارج بطرق عدة، منها اعتبار مناطق سيطرة الشرعية أسواقًا لتصريف السلع القادمة من مناطق سيطرة الحوثيين، حيث يتم بيع هذه السلع – ومنها القات – في مناطق الشرعية يوميًا، والعودة بقيمتها بالريال السعودي غالبًا أو بالدولار الأمريكي، بحكم أن الريال اليمني بطبعته الجديدة غير مسموح بتداوله في مناطق سيطرة الحوثيين. ونتيجة لذلك، تتوفر السيولة بالعملات الأجنبية في مناطق سيطرة الحوثيين، بينما تعاني مناطق الشرعية من ندرة السيولة المالية بالعملة الوطنية (الريال اليمني بطبعته القديمة) التي أصبحت متهالكة، ما يدفع رجال المال والأعمال وغيرهم من المقيمين في مناطق الحوثيين إلى الاحتفاظ بأموالهم بالعملات الأجنبية خارج الجهاز المصرفي الرسمي.
رابعًا: تزامن تدفق المنحة السعودية والإكراميات وعوائد المغتربين – بحكم موسم رمضان – مع تصاعد الصراع السياسي والعسكري، الأمر الذي أدى إلى زيادة قلق تجار الحرب وارتفاع نشاطهم في جلب الأموال من المصادر غير المشروعة، وتحويلها إلى عملات أجنبية، إضافة إلى غسل هذه الأموال في مشروعات استثمارية خارج اليمن، ما زاد من هروب رأس المال الوطني للخارج.
كل ما سبق أدى إلى ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية (الريال السعودي والدولار الأمريكي)، وبالتالي ارتفاع سعر صرف هذه العملات مقابل الريال اليمني، باعتبار الريال اليمني عملة غير مستقرة وغير موثوق بها. وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، وتآكل الدخول المحدودة، وتعميق الانهيار الاقتصادي والإنساني.
ولمواجهة ذلك، نؤكد على ضرورة العمل بما يلي:
1. عودة منتسبي مؤسسات الدولة إلى الداخل لتشكيل قدر من استعادة مؤسسات الدولة، وطمأنة رجال المال والأعمال والسلك الدبلوماسي الخارجي للعودة إلى ممارسة أعمالهم داخل اليمن.
2. إصلاح اختلالات الجهازين المالي والمصرفي.
3. مواجهة الفساد في الأوعية الإيرادية للدولة.
4. العمل على تثبيت سعر صرف الريال اليمني بطبعته الجديدة عند مستوى معين، مع وضع خطة مزمنة تستهدف تعافي قيمة الريال تدريجيًا خلال نصف عام أو عام، مع أهمية تضافر جهود مجلس الرئاسة والحكومة ومؤسسات الدولة إلى جانب البنك المركزي اليمني.
5. إلغاء قرار تحرير المتاجرة بالمشتقات النفطية، والعودة إلى الآليات التي كان معمولًا بها قبل الحرب.
6. مكافحة مشروعات غسل الأموال، واستعادة الأموال المنهوبة إلى خزينة الدولة.
7. الحد من فوضى الاستيراد، ويمكن التوقف عن استيراد السلع الكمالية حتى يتم تجاوز الأزمة الاقتصادية والإنسانية.