آخر الأخبار

spot_img

١١ فبراير ليس مشروعاً للخصومة الدائمة

(صحيفة الثوري) – كتابات :

د/ ياسين سعيد نعمان

 

لم يكن ١١ فبراير مشروعاً للاقتتال حتى يتخذ منه البعض مشروعاً للخصومة الدائمة.

لقد كان مشروعاً للتذكير بضرورة أن يتحول اليمن إلى “وطن”، ونعرف جميعاً أن لذلك الهدف شروطه التي كان يجب أن يشارك الجميع في تحقيقها عملياً، وأن له أسبابه التي لا يمكن لأي بلد أن يستقر ويزدهر بدونها.

ما الذي يعنيه أن تفشل الأنظمة المتعاقبة في تحويل هذا البلد إلى وطن؟ هذا ما كان على فبراير أن يبحث عن إجابة له!

لذلك، فإن على أنصاره وخصومه معاً أن يتطلعوا إلى المستقبل، وأن يتذكروا اليوم، وفي لُجّة الأحداث التي تعصف باليمن، أن فبراير جمعهم معاً في مؤتمر عام للحوار كمحطة لعقلنة المشروع السياسي الوطني، وتفكيك الحلقات المؤلمة في نظم الحكم التي قامت على التّغلب، والبحث عن إجابة للسؤال ذاته، وعن تحقيق شروط تحويل اليمن إلى “وطن”.

لا بد من القول إنه لولا هذا الحدث الذي هزّ المجتمع في أعماقه، ليسمح بالتنقيب عن المشكلة في جذر أنظمة التغلب التي ابتُلي بها اليمن، والتي أخذت تعيد تشكيل الجمهورية خارج قيمها، لما كان لهذا المتغير الهام في حياة اليمنيين (الحوار) أن يتحقق، ويبحث في جذر مشكلة الحكم التي اشتبكت فيها العلاقة بين الخاص والعام، والتبست فيها العلاقة بين السلطة والدولة، وما كان له أن يتوصل إلى ما يمكن اعتباره عقداً اجتماعياً جديداً، لا يزال، رغم ما لحق به من تدخلات تحكمية، صالحاً في خطوطه الأساسية لبناء دولة وطنية تستوعب الجميع. دولة يديرها نظام ديمقراطي يسمح بإنتاج حلول للمشاكل العالقة، بالاستناد إلى احترام الخيارات السياسية للناس، وبعيداً عن أدوات الغلبة التي دمرت كل فرصة لاستقرار هذا البلد.

اليوم، لا يوجد جامع حقيقي للقوى التي تتصدى للكارثة التي ألحقها المشروع الأيديولوجي الطائفي الإيراني-الحوثي باليمن غير التمسك بنتائج هذا الجامع الكبير وروحه.

لقد تفرد هذا الحدث، دون غيره من تجارب التوترات الاجتماعية في المنطقة، والأحداث السياسية الكبرى التي رافقته، بتحويل الصراع إلى تفاهمات وطنية في أشد مراحل الدعوة إلى التغيير السياسي ميلاً إلى العنف.

تجاوز كل محاولات جره إلى العنف من قبل الأجنحة المتشددة داخل أطراف المعادلة، والتي كانت لها حساباتها الخاصة تجاه بعضها كبُنى اجتماعية وسياسية متداخلة لنظام تأسس على مصالح متشابكة، وهو ما يؤكد صلابة ذلك المشروع السلمي الذي تمسّك بفكرة أن الخلاف السياسي قابل للحل عبر الحوار والمكاشفة والتفاهم والتنازلات واحترام الإرادة الشعبية وخياراتها، على غير الحال مع تلك القوى التي أخذت تشق المجتمع بأدوات دوغمائية وطائفية تختزن العنف والثأرات والتميّز والاستعلاء والإقصاء ورفض الآخر، وكل ما يضع المجتمع فوق فوهة من الاضطرابات والخصومات الدائمة والحروب وعدم الاستقرار.

لا يمكن النظر اليوم إلى حالة الانقسام التي تشهدها القوى التي وضعتها الحياة في الجانب الصحيح من التاريخ إلا باعتبارها استجابة لدعوات الخصومة التي سجلت وقائعها أحداث عفا عليها الزمن، بما استولده من تحديات وجودية لشعب طالما حلم بأن يتحول بلده إلى وطن، وبات يحلم بمأوى يقيه عذابات التشرد.