(صحيفة الثوري) – ثقافة:
تُعد لوحة غرنيكا (Guernica) التي رسمها الفنان الإسباني بابلو بيكاسو عام 1937، واحدة من أقوى الأعمال الفنية التي عبرت عن أهوال الحرب، حيث أصبحت رمزًا عالميًا لمقاومة القمع والعنف. تجسد اللوحة المأساة التي خلفها قصف الطيران النازي الألماني لبلدة غرنيكا في إقليم الباسك الإسباني، أثناء الحرب الأهلية الإسبانية، في مشهد لا يزال صدى تأثيره ممتدًا حتى يومنا هذا.
الخلفية التاريخية
في 26 أبريل 1937، شنت القوات الجوية الألمانية، بالتعاون مع الطيران الإيطالي، غارات مكثفة على بلدة غرنيكا، في إطار دعمها للجنرال فرانسيسكو فرانكو ضد الجمهوريين الإسبان. أسفر القصف عن مئات الضحايا، كما دُمرت البلدة بشكل شبه كامل، مما جعلها رمزًا لوحشية الحرب واستهداف المدنيين الأبرياء.
تفاصيل اللوحة
أنجز بيكاسو اللوحة الجدارية بارتفاع 349 سم وعرض 776 سم، مستخدمًا الأبيض والأسود والرمادي فقط، ليعكس الحزن والكآبة. رسم بيكاسو مجموعة من الرموز التي تُعبر عن الألم والمعاناة:
الحصان المجروح: يرمز للشعب الإسباني الذي يعاني من وحشية الحرب.
الثور: يُمثل القوة الغاشمة والفاشية، ويرى البعض أنه تجسيد لشخصية فرانكو.
الأم الحاملة لطفل ميت: تعكس مشاعر الحزن واليأس العميق.
الجندي المقطع: رغم موته، يمسك بيدٍ سيفًا مكسورًا تنبت منه زهرة، في إشارة للأمل وسط الدمار.
المصباح: يرمز إلى الوعي والحقيقة التي لا يمكن قمعها.
الرسالة والمعنى
لم تكن غرنيكا مجرد لوحة فنية، بل كانت صرخة احتجاج ضد الفاشية، ودعوة عالمية للتضامن مع الجمهوريين الإسبان. جالت اللوحة في عدة دول لحشد الدعم للقضية الجمهورية، ورفض بيكاسو عودتها إلى إسبانيا إلا بعد انتهاء حكم فرانكو. في عام 1981، وبعد وفاة فرانكو وعودة الديمقراطية، أُعيدت اللوحة إلى إسبانيا لتُعرض في متحف الملكة صوفيا بمدريد.
السياق السياسي للجمهوريين الإسبان
كان الجمهوريون الإسبان يتشكلون من تحالف واسع للقوى اليسارية، بما في ذلك الاشتراكيين، الشيوعيين، الفوضويين، والنقابيين، إضافة إلى الديمقراطيين الليبراليين، الذين وقفوا في مواجهة تمرد فرانكو المدعوم من ألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية. مثلت غرنيكا أحد المعاقل الثقافية لشعب الباسك الذي وقف إلى جانب الجمهوريين، ما جعلها هدفًا للقصف الذي أراد تحطيم معنويات المدنيين.
موقف بيكاسو السياسي

عُرف بابلو بيكاسو بتوجهاته اليسارية وتعاطفه مع الجمهوريين الإسبان. بعد قصف غرنيكا، أوكلت إليه الحكومة الجمهورية الإسبانية مهمة رسم لوحة تُعبر عن المأساة، ليتم عرضها في المعرض الدولي بباريس عام 1937، كجزء من الحملة الدعائية لدعم القضية الجمهورية.
رمزية اللوحة سياسيًا
عبرت غرنيكا عن إدانة واضحة للأنظمة الفاشية التي دعمت فرانكو، وأصبحت اللوحة رمزًا للمقاومة السياسية ومناهضة الظلم. تنقلت غرنيكا بين الدول لجمع التبرعات لصالح الجمهوريين، كما أنها بقيت لعقود شاهدة على المعاناة التي عاشها الشعب الإسباني في ظل الحرب الأهلية.
الخلاصة
غرنيكا ليست مجرد عمل فني، بل شهادة خالدة على وحشية الحروب، ورسالة يسارية تعبر عن رفض الفاشية والديكتاتورية. تظل هذه اللوحة واحدة من أبرز أعمال بيكاسو، وأحد أبرز الأعمال التي قدمت الفن كوسيلة للتعبير عن القضايا السياسية والإنسانية.