آخر الأخبار

spot_img

يمنيّون في صفوف الجيش الروسي ومثيرو القضيّة مهدّدون بالتصفية أو السجن!

“صحيفة الثوري” – تقارير:

سامية الأغبري – محمد الكرامي

تداول يمنيون أواخر أيلول/ سبتمبر الماضي على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو نشرها مجندون في جبهات القتال الروسية، وآخرون ظهروا كعمال سُخرة يُجبرون على حفر الخنادق لساعاتٍ طويلة من دون استراحة، ويناشدون حكومتهم إعادتهم إلى بلادهم.


من هؤلاء، مجنّد في السابعة عشرة من عمره أطلق النار على نفسه بسبب تعامل ضباط روس بوحشية معه، إذ “ضُرب بقسوة ووُضع في مكان سيئ، تبولوا في قنينة الماء ثم صبوها عليه”.

هؤلاء اليمنيون كانوا يحلمون بعمل ومستقبل أفضل إثر وعدهم بالمال والجنسية الروسيّة، بيد أنهم علقوا في قلب معركةٍ ليست معركتهم وعلى أرضٍ ليست أرضهم، ولم تبقَ لهم أمنية سوى العودة إلى اليمن.

في الوقت ذاته، طالبت عائلات المجندين السلطات اليمنية بإنقاذ أبنائها من القبضة الروسية، لكن انتشار الفيديوهات وأخبار المجندين على وسائل الإعلام أثار غضب اليمني المقيم في روسيا هاني الزريقي، مندوب الشركة التي تستقطب الشباب وتجنّدهم.

في تسجيل صوتي، نسمع الزريقي يهدد بعض المجندين الذين يثيرون (الزوبعة) حسب وصفه، مؤكداً أن الاستخبارات والشرطة العسكرية الروسيتين ستضعان حلاً لهم من دون أن يذكر ما هو الحل، عده البعض تهديداً بتصفيتهم.

وتحدث الزريقي في رسالة صوتية موجّهة الى شخص يُكنى بـ(أبو تركي)عن غضب روسي، وأن لهجة المخابرات الروسية حادة تجاه كل المجندين اليمنيين، ونصحه في الرسالة “أخبر الروس أن من يثير الزوبعة هم خمسة أشخاص لا علاقة لنا بهم ولا نعرفهم ، تعاملوا معهم كما تريدون لأنهم شوّهوا سمعتنا”، واستدرك: “الحل أصبح قريبا!”.

في التسجيل، يعترف الزريقي ضمنياً بمراقبة حسابات المجندين على فيسبوك والواتسآب لصالح المخابرات الروسية. وفي تسجيل آخر – يبدو أنه تم التحقيق مع المجند جمال – الذي يعترف الزريقي بأن الروس تعاملوا معه بحقارة، ويقسم بأنه “لم يكن راضياً عن تعامل الروس مع جمال بتلك الوحشية “، مضيفاً أن الروس وجدوا معلومات كثيرة لدى جمال وحمّلوا الشركة المسؤولية لأنها هي من أتت بهم، جمال أطلق الرصاص على نفسه، يقول: “صراحة تعاملوا معه بحقارة”.

وأضاف الزريقي متوعداً: “أنا لم أبع أحداً رغم أن محمد جلال وجمال قاما بأشياء كثيرة، كنت أستطيع ولا أزال حتى الساعة، باتصال هاتفي، أن أعمل بهما أشياء لا يتوقعانها”.

وفي التسجيل يؤكد أن الاستخبارات الروسية وراء اختفاء المجندين المفقودين نجم الدين العماري وإدريس المالكي، ويبدو جلياً في لهجته ترهيب للمجنّدين الآخرين.

بعض المجنّدين ممن لا يزالون في معسكرات الاستقبال، أرسلوا إلينا معبرين عن خوفهم من تلقيهم تهديداتٍ يومية من الزريقي منذ ورود اسمه في التقارير الإعلامية كأحد السماسرة الذين خدعوا الشباب، بسجنهم، ويحذرهم من ذكر اسمه أو التحدّث إلى الإعلام. يقول عادل: “هاني أبلغ عنا المخابرات والشرطة الروسية، وحرّضهم علينا، إذا غبت إعلموا أنه حبسنا أو اقتادنا عنوة إلى الجبهة”.

بداية القصة وتأسيس الشركة

أسّس عبد الولي الجابري شركة في عُمان تحت اسم شركة الجابري للتجارة والاستثمار (ش.ِش.م) بسجل تجاري رقم (1450240)، وتحمل الرقم الضريبي (1830627) على أنها شركة استيراد معدات طبية، قبل أن يكشف المجندون نشاط الشركة الحقيقي في تجنيد العاطلين من العمل والفقراء إلى روسيا.

اللافت أن تاريخ تأسيس الشركة لم يذكر؛ وذكر عنوانها الرئيسي في عقد بين الشركة وأحد المجندين في صلالة بمحافظة ظفار، غير أنه في عقد آخر ذكر أن مقرها الرئيسي مسقط، تعزز هذا الظن شهادة مواطن يمني مقيم في مسقط بأن شركة الجابري لم يكن لديها أصلاً مقر رسمي.

الجابري هو عضو مجلس نواب وقائد اللواء 115 مشاة، مناصر لجماعة الحوثي وساعدهم على دخول محافظة تعز (جنوب العاصمة صنعاء) وشاركهم بقصفها، ومتهم بالكثير من الجرائم مع شريكه محمد العلياني الذي سُجن بداية الحرب في مدنية تعز بتهم عدة، منها تهريب الأدوية والقتال الى جانب الحوثيين.

وكانت المحكمة العسكرية في مأرب التابعة للحكومة (المعترف بها دولياً) أصدرت حكماً في آب/ أغسطس 2021 قضى بإعدام 174 شخصاً من قادة الانقلاب ومعاونيهم، بينهم عبد الولي الجابري، وذكرت تقارير إعلامية إن الشركة كانت تهرب السلاح للحوثيين وتحوّل نشاطها لاحقاً إلى تجنيد مرتزقة لروسيا.

لدى الجابري سماسرة ينشطون في دول الخليج واليمن، بينهم شقيقه (عبد الواحد الجابري) في تعز ونجل شقيقه في صنعاء صدام الجابري ولديهم سماسرة محليين في المدن والأرياف، منهم هاشم الغرباني الذي تم تداول اسمه حديثاً بين المجندين، وأفاد المجند (أكرم) بأن الغرباني أخذ جوازات سفر أربعة أشخاص في عُمان لاستخراج تأشيرات سفر لهم إلى روسيا. تواصلنا بالغرباني عبر تطبيق واتسآب مدّعين رغبتنا في السفر إلى روسيا، لكنه بدا حذراً، ورفض الإدلاء بأية معلومات عن التجنيد ومكان وجوده.

وعلى الرغم أن العقود بين شركة الجابري وبين المجندين توضح أن غرض السفر هو البحث عن وظائف وليس العمل كمجندين، دافع الجابري عن نفسه في تصريح إعلامي لمؤسسة مكافحة الجريمة المنظمة والفساد (occrp)، قائلاً: “كل المجندين كانوا يعلمون أنهم ذاهبون الى القتال”.

طبقاً للقوانين الدولية والمادة الثانية من اتفاقية مناهضة تجنيد المرتزقة، يعد الجابري “مجرماً”، إذ تنص المادة على أن “كل شخص يجند أو يستخدم أو يمول أو يدرب المرتزقة، وفقاً لتعريفهم الوارد في المادة (1) الاتفاقية، يرتكب جريمة بحكم هذه الاتفاقية”.

لا توجد قوانين وطنية تجرّم الإتجار بالبشر، لكن اليمن مصادق على الاتفاقيات الدولية، وتؤكد المادة السادسة من الدستور “العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة”.

هؤلاء اليمنيون كانوا يحلمون بعمل ومستقبل أفضل إثر وعدهم بالمال والجنسية الروسيّة، بيد أنهم علقوا في قلب معركةٍ ليست معركتهم وعلى أرضٍ ليست أرضهم، ولم تبقَ لهم أمنية سوى العودة إلى اليمن.

رجل الظل الروسي

في تموز/ يوليو، وصل إلى روسيا (31) مجنداً، كأول دفعة تصل عبر شركة الجابري برفقة ديمتري، وبحسب بعض المجندين الذين تحدثوا إلى “درج”، يمثل ديمتري شركة عسكرية خاصة في رستوف لم يتسنّ لهم معرفة اسمها، لكن يبدو أنها ضمن شركات خاصة عدة تقدم خدمات لوزارة الدفاع الروسية.

يحتفظ المجندون برقم ديمتري لكنهم لا يعرفون شيئاً عنه، وأرسلوا لنا صورة له يضعها بروفايل على الواتسآب، وحين بحثنا عن معلومات من خلال الصورة لم نجد، لذا قمنا بترجمة اسمه إلى الروسية، وبحثنا في محركات البحث من خلال الإسم والصورة، فوجدنا معلومات وصوراً أرسلناها إلى أربعة من المجندين الذين التقوا به في عُمان، وبعضهم التقوا به في مطار دبي وأخبرهم بأنه سيرافقهم إلى موسكو، وهو أيضاً من سهل لهم إجراءات دخولهم من مطار(دوموديدوفو)، إذ أكدوا جميعاً أنه ديمتري.

يؤكد سليم – اسم مستعار- 30 عاماً، “كنت ضمن المجموعة التي التقت بديمتري في مطار دبي، وأنا من ترجم له، وأخبرنا أنه سيرافقنا في هذه الرحلة”، سليم متزوج وكان يعمل في مسقط محاسباً في إحدى الشركات، يجيد اللغة الإنكليزية، دخل مطلع تموز/ يوليو عبر شركة الجابري إلى روسيا وهو اليوم يقود إحدى الكتائب في الجبهة بأوكرانيا.

“ستاروستين ديمتري سيرجيفتش” حسب المعلومات المذكورة في الموقع الحكومي، تدّرج في عدد من المناصب المهمة بوزارة الخارجية، ومنذ أشهر عُيّن نائباً لرئيس حكومة منطقة (نيجني نوفغورود)، ووفق شهادة أحد أصدقاء العلياني، زار ديمتري مسقط ثلاث مرات التقى خلالها بعدد من المجندين ورافق ثلاث دفع مختلفة إلى موسكو.

في تموز/ يوليو، مر ستاروستين بصحبة الجابري والعلياني على مساكن كل المجندين المقيمين في مسقط والقادمين الجدد من اليمن، لمطابقة صورهم مع جوازات السفر، فمهمة ستاروستين لوجستية، وهي التنسيق وتسهيل الحصول على التأشيرة، ومرافقة المجندين الى موسكو وتسليمهم لهاني الزريقي.

راسلنا ستاروستين عبر تطبيق “واتسآب” واستلم الرسالة، إلا أننا لم نلقَ إجابة.

الوقوع في الفخ

يستقبل هاني الزريقي، مندوب شركة الجابري في موسكو، المجندين، ويخبرهم أنّهم سيقبضون عشرة آلاف دولار، وكل شخص سيدفع فقط ثلاثة آلاف دولار للشركة لمتابعة الجنسية والبحث عن عمل، ثم تؤخذ بصماتهم وتجرى لهم فحوصات طبية ويوضعون تحت المراقبة.

يروي المجند عادل الموجود حالياً في بيرديانسك الأوكرانية :”أخذونا بحافلة وقالوا إننا لن نذهب الى الجبهة لأننا غير مقاتلين ولا نجيد اللغة، وسنذهب الى منطقة الاستقبال، ومنها نبدأ العمل، وفجأة وجدنا أنفسنا في معسكر بـ(روستوف) ثم نقلنا الى (بيرديانسك) الأوكرانية، تلقينا تدريبات عسكرية لمدة شهر واقتادونا بالقوة إلى الجبهة، ومن رفض القتال طلب منه هاني ألف دولار بزعم أنّها رسوم معاملة الجنسية!”.

يضيف عادل الذي كان يعمل في عمان بوظيفة وسيط تجاري: “استقبلتنا في روسيا مطلع آب/ أغسطس 2024 مجموعة مسلحة من وزارة الدفاع يرتدي أفرادها الملابس العسكرية، وأخذونا إلى موقع استقبال في العاصمة موسكو، حيث وقّعنا على عقود باللغة الروسية، من دون ترجمة، عبر هاني الزريقي، ومن ثم تحركنا من موسكو إلى منطقة تبعد منها مسافة 26 ساعة، وهناك أعطونا السلاح والبدلات العسكرية؛ ونحن الآن في المعسكرات”.

استغلّ الزريقي قلة خبرة الشباب وعدم معرفتهم باللغة الروسية، وطلب منهم التوقيع على عقود لا يعلمون مضمونها، يقول عادل: “وقعت، لا أعلم على ماذا، فأنا لا أجيد اللغة الروسية، ورفض إعطاءنا نسخة من العقود أو حتى تصويرها”، أخبرهم هاني إنها عقود عمل لمدة عام يساعدون بموجبها “إخوتهم الروس” بأشغال يدوية ولوجستية!

في عقد بين مجند وشركة الجابري، بند يُوكل المجند بموجبه الشركة بالنيابة عنه أمّام كل الجهات الرسمية الروسية، الأمر الذي سهل على الشركة ومندوبها الزريقي الاستيلاء على أموال المجندين، كما أنّ العقود التي وقعوا عليها من دون علم بمضمونها أعطت هاني الحق بأخذ ستة آلاف دولار، وبدل أن يصلهم مبلغ عشرة آلاف دولار، وصلهم فقط 4000 دولار؛ ليتضح لاحقاً أنهم تعرضوا لعملية نصب.

* نقلاً عن منصة “درج”