“صحيفة الثوري” – كتابات :
علي عبده القادري
مرت 22 عامًا على استشهاد جار الله عمر، ولحظة تذكرت وصول النبأ الأليم في ظهيرة ذلك اليوم.
كنت حينها في سن الـ 14، وكنت أيضًا قد سمعت الشيء اليسير عن هذا الاسم، بل وقرأت عنه في عناوين الصحف أو في صفحة شؤون حزبية في صحيفة “الثوري”.
وجدت الناس حزينة عليه في منطقتي، ومن ثم أحاديث الناس عنه وعن مكانته وعلاقته بالناس تسمعها ممن يعبرون عن علاقتهم الشخصية أو الحزبية معه، أو ذكريات تواصلهم معه في موقف ما، أو تلويحة سلام في مكان مزدحم، أو دورة في ابتعاث أو التحاق بجامعة هذا الكادر أو ذاك.
كل ما تسمعه يوحي لك بعظمته أولًا، وعن مكانته في قلوب الناس الذين عرفوه من قبل أو سمعوا عنه.
وبعد فترة من الزمن، وقع في يدي كتاب “جار الله عمر يتكلم: من لحظة الميلاد إلى رصاصة الموت”، والذي كان عبارة عن سلسلة حوارات أجراها الصحفي الفذ صادق ناشر مع الراحل قبل وفاته.
عرفت جار الله أكثر، بعد أن كان في ذهني واحدًا من كوادر الحزب الاشتراكي اليمني أو الأمين العام المساعد للحزب، إلى أن اكتشفت أنه كان أمين عام الوطنية اليمنية وأطول قامة تاريخية فيها.
جار الله الذي يتحدث عنه أبناء المناطق الوسطى لمواقفه وتواضعه وبساطته وقربه منهم، هو ذلك العظيم ابن صنعاء الذي التحق صبيًا في ثورة 26 سبتمبر وكان أحد قادتها الشبان. وهو ابن صنعاء التي سُجن فيها لمدة ثلاث سنوات، وشكل بها علاقات اجتماعية وسياسية واسعة مع كل أطياف المجتمع. وعندما تحدق في سيرته، ستجد أن عدن، مدينة التعايش، قد شكلت في وجدانه الكثير، وتشكل في وجدانها. حيث عبر ذات يوم أن أسوأ موقف آلمه هو منظر سقوط عدن على يد تحالف 7/7.
هنا لمحات تكتشف من خلالها أن اليمن لم تكن في ذهنه تلك المنطقة التي أتى منها أو تلك التي عاش بها، بل اليمن الكبير هو انتماؤه الوحيد، وإيمانه العميق والمطلق، وقناعته التامة.
ما سبق ليس إلا جزءًا من حديث عاطفي عن شخصية أثرت فيَّ وفي جيلي من الشباب، لكن الكلام الحقيقي والمعني هو جار الله السياسي الملهم والشخصية الاستثنائية.
ابتداءً بمساهمته الفعلية في ثورة اليمن الخالدة، وكذلك اصطفافه طيلة حياته إلى جانب الشعب وقضاياه العادلة. ولو تطرقنا للعديد من المواقف وقراءة نقدية لكل الأحداث، ستجد جار الله بعد هذا الزمن الطويل كان في الجانب الحقيقي، جانب الشعب والانتصار لقضاياه. ويكفي تأكيدًا على كل هذا أنه قدم حياته ثمنًا لمواقفه، وكان قادرًا كغيره على الانصياع لحاكم أو الاستسلام لمنفى لينأى بنفسه عن هذا المصير أو المعاناة التي عاشها، خصوصًا بعد حرب 1994، سواء من رفاقه أو من حلفائه أو من خصومه.
كان جار الله استثناءً في التاريخ الوطني والسياسي اليمني، ولا يزال منارًا لكل أفئدة من يتوقون ليمن ديمقراطي جديد.
رسالة أخيرة:
للأسف، أن البعض من رفاقه ومن وعدوا بإكمال المسيرة التي انتهجها قد تاهوا من زمن بعيد، وأصبح لا يعنيهم ذلك الماضي ولا المنجزات. حتى أن البعض أصبح بمنأى عن الثورة والوحدة والديمقراطية، وكل قيم الوطنية التي حملها.