آخر الأخبار

spot_img

‏العديني… مسألة أمن عام وليس تنازع فكري بين محافظين وليبراليين 

صحيفة الثوري – كتابات:

كتب/ مصطفى ناجي:

في الوقت الراهن، تعز بلا موارد وهي محافظة ذات كثافة سكانية عالية ومشطورة بين نمطين إداريين وسلطتين على الأقل.

الجزء الذي تحت سيطرة الحكومة يتعرض لضغوط كبيرة. الزيادة السكانية لا تتوقف والحكومة لا تستطيع دفع الرواتب إلا بالكاد وهناك أعباء كبيرة على القطاعات الخدمية خصوصاً بعد أن تحولت المدن الصغيرة والمراكز الإدارية إلى مدن كبيرة دون موازنة مناسبة مع المتغيرات. فضلاً عن أن المحافظة استقبلت عددا كبيرا من النازحين والعائدين إليها بحث عن بيئة أعمال او وسط مديني ملائم من كل الجهات والهاربين من بطش الميليشيات في مناطق متفرقة في اليمن خصوصا في مناطق الحوثي.

أمام هذه التحديات تؤدي المنظمات العاملة في القطاعات الإنسانية وأعمال الإغاثة والمشاريع الخدمية دوراً حيويا ومنقذاً لملايين الناس. ثلثي مساحة تعز بلا خدمات ولا شبكة طرق ولا مستشفيات خصوصا القطاع الغربي والجنوب غربي الذي بدأت المشاريع تصل اليه الآن بعد ستة عقود من الجمهورية.

لكن المفارقة هي علو نبرة الخطاب الديني المحرض على المنظمات وعلى نشاط المرأة والمجتمع المدني في المحافظة. يتصدر البرلماني وخطيب أحد الجوامع عبدالله العديني عن النشاط المنبري التحريضي على الدوام.

والغريب أن محافظة تعز هي المحافظة الوحيدة التي جرى فيها اغتيال عاملين منظمات أجانب .

لا يخدم هذا الخطاب إلا أهداف الجماعة الحوثية التي تراهن على عدم استقرار وعلى الاختلالات الامنية في مناطق خارج عن نفوذها لتفرض نفسها. بل ان وصم المناطق الأخرى بالإرهاب والدعشنة يقع في صميم الاستراتيجية الحوثية.

لا يندرج خطاب العديني الذي أصبح يجتذب إليه أعداداً غفيرة من المتحمسين لدعاوى دينية واخلاقية هشة في إطار حرية التعبير لأنه منفلت من المسوولية القانونية والفقهية ومن المسوؤلية الاجتماعية والاقتصادية بالدرجة الاساس.

تبدو مشكلة خطاب العديني تنازع فكري حول حرية شخصية وصراع بين تيار محافظ وتيار ليبرالي. لكن في جوهر الأمر هي مشكلة سكينة وأمن ونظام عام، لها طابع اقتصادي ومعيشي. اي انها جوهرية وترقى لتكون وجودية لملايين الناس.

هل خطابه ممجرد نزوع محافظ فقط أم أنها مسألة سلطة ونفوذ؟

يتحرك العديني في فراغ إداري وسلطوي كبير. ويرجع ذلك إلى أمرين. اولاً تماهي السلطة المحلية خصوصا الجناح السلفي والإسلاموي فيها مع خطابه نتيجة الاشتراك في القيم والمعايير.

ثانياً تقاعسها عن واجبها وعدم استشعارها للمهددات الأمنية على المدى المتوسط وإهمال دور إدارة الشؤون الدينية في وضع محددات خطاب منبري يراعي حساسيات المرحلة.

ينزع المحافظون إلى رفض أي استحداث في السلطة الرمزية يشاركهم النفوذ ويصرف الناس عنهم. وهم في العموم يدّعون الاهتمام بالأخلاق والقيم والحرص على الدين والتقاليد ولا ينظرون إلى البعد الإقتصادي والمعيشي في المجتمع. وبما أنهم قادرون على تعبئة الناس فانهم سيعالجون الجانب الاقتصادي باحتكار قنوات المساعدات الذي سيتلقونها والتحكم بالصرف لتتعزز سلطتهم الدينية والدنيوية على الناس ويصبحون أصحاب فضل وفضلين على الناس.

قيام طرف آخر بمعالجة جوانب معيشية يعني تجريدهم من وسيلة نفوذ صالحة للتوظيف الأيديولوجي والمذهبي. وهذا مكمن عدائهم للمنظمات.

يمكن وضع ملحوظات ونقد لسلوك المنظمات ويمكن معالجة الأمر بسهولة عبر السلطات المركزية للدولة والسلطات المحلية التي تحدد مساحة تحرك المنظمات وأوجه عملها لما يستجيب وتقديرها للأولويات والاحتياجات.

لكن لماذا تتراخى القوى الإجتماعية والسياسية الدينية أمام سلوك العديني؟

‏العديني هو الصوت الصارخ للتفكير السائد في أوساط الإسلامويين بمختلف مشاربهم ومذاهبهم تجاه الحريات الشخصية ودور المرأة وهامش حركتها وبناء وتوزيع السلطة الرمزية داخل المجتمع.

تختلف معه هذه الأوساط الدينية-السياسية في التوقيت وطريقة العرض ودرجة وحدة الفكرة لكن ما يجمعهم أكبر بكثير من أوجه الاختلاف.

وهذا أمر شامل لكل الجماعات في اليمن ويمثل نقطة التشابه بين الحوثية وغيرها.

تفضلت أستاذة علم الاجتماع الجامعية ألفت الدبعي بطلب رفع الحصانة عن العديني لترفع قضية ضده.

هل يحق لألفت رفع قضية؟

نعم وهذا أفضل سلوك مدني وقانوني وشرعي. أفضل من التحريض والتحريض المضاد.

لكن قد ينبري أحدهم ويسأل معترضاً: لما لا ترفع ألفت دعوى ضد الحوثيين الذين لا يقلون عن العديني في التعدي اللفظي على النساء بل واتخاذ سياسات قمعية بفرمانات ادارية ضد النساء؟

هل عليها أن ترفع دعوى ضد الحوثيين؟ نعم ولكن أين؟!. إذا رفعت لدى الحوثيين فهذا يعني انها تعترف بولايتهم القضائية وشرعيتهم السياسية.

ولا تستطيع رفع دعوى ضد أي طرف حوثي لدى الحكومة الشرعية لعدم استطاعت الشرعية على تنفيذ أحكامها وخروج المحكوم عليهم عن ولايتها المكانية الفعلية.

أرى أنه من الأفضل للجميع أن يتحول العديني إلى مواطن عادي بلا حصانة برلمانية ويتعامل القضاء معه ويحكم له أو عليه. ما دون ذلك فإننا نتعمد في إغراق تعز بمشاحنات واستغلال المنابر والمساجد سيما والعديني من موقعه وسلوكه وخطابه يؤدي الوظيفة المطلوبة حوثياً.

بالمعنى الإستراتيجي من الأفضل تقديم العديني للقضاء.