آخر الأخبار

spot_img

مصادر مشوشة وانطباعية: قراءة في أزمة سعر الصرف ودور البنوك التجارية

(الثوري) – اقتصاد

د يوسف سعيد أحمد

تناولت بعض الكتابات مؤخرًا، استنادًا إلى مصادر مضطربة وانطباعية، لقاءات عقدها سفراء بعض الدول مع قيادة البنك المركزي في عدن. وذهب البعض إلى القول بأن هؤلاء السفراء أو ممثلي الأمم المتحدة أبلغوا الاجتماع بنقل البنك المركزي من عدن إلى صنعاء، وهو كلام مردود عليه ومجافٍ للحقيقة. فالواقع أن هذه اللقاءات استهدفت استقصاء أسباب تسارع أزمة سعر الصرف، ولا شأن لها بموقع البنك المركزي، حيث أُقفل هذا الموضوع منذ سنوات، والبنك المركزي في عدن يحظى باعتراف دولي كامل.

تم اطلاع هؤلاء الممثلين على التطورات السلبية الأخيرة فيما يتعلق بسعر العملة الوطنية في مقابل الدولار، مع توضيح الأسباب وراء تدهور أسعار الصرف الناتجة عن الأزمة الاقتصادية، وعمليات المضاربة، والحرب الاقتصادية. كما تم التطرق إلى دور بلدانهم في المساعدة على تخفيف حدة هذه الأزمة.

الأمم المتحدة وسفراء الدول المانحة لليمن ليس لهم علاقة بموقع البنك المركزي، ولا يملكون الصلاحية للتدخل في ذلك. إلا أن هذه الكتابات تجاهلت الأزمة الحادة للسيولة التي تواجه البنوك التجارية في صنعاء، وتأثيراتها الخطيرة على العمليات الاقتصادية والتجارية هناك. نقابة البنوك حذرت الأسبوع الماضي من أن البنوك التجارية وصلت إلى مرحلة حرجة تهدد بتوقفها، مطالبةً وزير مالية صنعاء بتوفير السيولة اللازمة بعد أن عجزت البنوك عن تلبية طلبات المودعين. هذه الأزمة غير مسبوقة ولا تستطيع صنعاء إنقاذ البنوك التجارية وتنشيط التجارة الداخلية إلا من خلال الاعتراف بتوحيد العملة والسماح بالتعامل بالطبعات الجديدة الصادرة عن البنك المركزي في عدن.

في مناطق الشرعية، انهيار سعر الصرف مرتبط بالأزمة السياسية والاقتصادية ولا يعود إلى سوء إدارة البنك المركزي للسياسة النقدية. فقوة أي عملة ترتبط أولًا وأخيرًا بقوة اقتصادها الحقيقي وقوة تجارتها وتنوع صادراتها. عادةً، عند تناول أزمة سعر الصرف في الدول، يتم التركيز على وضع الصادرات وحجمها ونطاقها الجغرافي وقيمتها، إلى جانب واردات الدولة وفاتورة الاستيراد وفجوة الميزان التجاري. لذلك، المسألة تتعلق بمعادلة الصادرات والواردات، أي بوضع ميزان الحساب الجاري.

لكن فيما يخص اليمن، من الضروري عدم التقليل من قيمة التحويلات الخارجية القادمة من المغتربين إلى الاقتصاد اليمني والعمل على تنميتها. الأهم هو تحسين كفاءة تحصيل الموارد العامة الضريبية والجمركية السيادية وتوريدها إلى حساب الحكومة في البنك المركزي دون انتقاص، بالإضافة إلى كفاءة إنفاق وتخصيص الموارد العامة واعتماد موازنة عامة شفافة وشاملة. كذلك، يرتبط استقرار أسعار الصرف بوجود منظومة حكومية مؤسسية معنية بمحاربة الفساد.

استقرار سعر الصرف مرتبط أيضًا باستئناف إنتاج وتصدير النفط الذي كان يشكل قاطرة النمو في اليمن. التصعيد الاقتصادي الحالي ينعكس سلبًا على استقرار العملة، ويتطلب حلًّا حقيقيًا للتخفيف من الضغوط.

كما يجب الإسراع في تشغيل شركة مصافي عدن وتحسين كفاءة تحصيل واستخدام الموارد العامة الضريبية والجمركية، والتوقف عن المضاربة بسعر الصرف عبر إنفاذ القانون.

العودة إلى سياسات الحمائية

على المدى المتوسط والطويل، يتطلب الأمر استخدام عدد من السياسات المالية والنقدية والتجارية التي تؤدي في النهاية إلى تعديل هيكل الاقتصاد على المدى الطويل وتنويعه. هذا التنويع يهدف إلى زيادة الصادرات نوعيًا وكميًا وجغرافيًا، وتعظيم قدرة الاقتصاد على توفير الجزء الأعظم من احتياجات البلاد. لن يتحقق ذلك إلا من خلال دعم القطاع الخاص وتفعيل دور ملموس للدولة.

في هذا السياق، على الحكومة دراسة إمكانية العودة إلى سياسات الحمائية التجارية الجمركية والضريبية لحماية المنتوج الوطني من المنافسة غير العادلة. الدول الغربية التي شرعنت حرية التجارة تمارس اليوم سياسات حمائية في وجه المنافسة الخارجية غير العادلة. اليمن تستطيع أن تقنع المؤسسات الدولية، بما في ذلك منظمة التجارة العالمية، بحججها كدولة فقيرة، من حقها العودة إلى سياسة إحلال الواردات وممارسة الحمائية التجارية.

كما يبرز في هذا السياق أهمية دعم القطاع الخاص من خلال الاعتراف بدوره وإقامة شراكة حقيقية معه، تؤمن تعزيز دوره المستقبلي في عمليات البناء والتنمية في اليمن.