آخر الأخبار

spot_img

القناعة واليقين بثورة 26 سبتمبر

الثوري – كتابات 

أسعد محمد عمر

مع كل يوم يتعاقب فيه ليله بنهاره، وقناعة اليمنيين بعظمة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في تجدد وازدياد، ليثبت معها اليقين في نفوسهم بحقيقة قطع هذه الثورة الخالدة ظلمات حقب التخلف التي سادت مناطق اليمن في ظل حكم الإمامة، وهدمها لحواجز العزلة والانغلاق التي منعت اليمن واليمنيين من مواكبة العصر الحديث.

لقد أسهمت ميليشيا الانقلاب الحوثية بدور كبير في زيادة قناعة اليمنيين بثورة 26 سبتمبر، خاصة الأجيال الجديدة، من خلال ممارسات الميليشيا القمعية وانقلابها على الدولة ورفضها لكل ما توافق عليه اليمنيون في مؤتمر الحوار الشامل، وإثارتها لنزعات ودعوات لا علاقة لها بالعصر، وبانكشاف حقيقة مشروعها الظلامي وطبيعة تركيبتها وتبعيتها الكاملة لإيران، وبروزها كأداة من أدوات التمدد الإيراني والنفوذ في المنطقة العربية، وجعلها اليمن كإحدى نقاط إيران المتقدمة لاستهداف أمن وسلامة الملاحة بالبحرين العربي والأحمر، وتهديد مصادر الطاقة الدولية.

ما جعل المجتمع اليمني بمختلف فئاته العمرية يعيش بشكل يومي دروسًا عملية عرفتهم بشكل فعلي ما كانت عليه حياة اليمن واليمنيين خلال عهود الإمامة (التي تقدم الحوثية نفسها وريثًا لها) وما سادها من مظاهر الظلم والاستبداد والقمع والاستعباد ونزعات الاستعلاء والتمايز الاجتماعي، إضافة إلى ادعاءات الحكم بمزاعم الحق الإلهي (وكلها حاضرة في أدبيات وممارسات ميليشيا الحوثية اليوم)، إضافة لما نجم عن ذلك من كوارث الحروب والصراعات وانتشار الفقر والجوع والمرض التي دامت لقرون من الزمان.

وكما هو ثابت تاريخيًا، فإن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م لم تكن إلا امتدادًا طبيعيًا لحراك ثوري متراكم خاضه اليمنيون عبر سنوات طويلة، حيث تشكل لهم في هذا اليوم من الظروف والأسباب ما مكنهم من التقاط اللحظة التاريخية للانطلاق والتحول بإعلان الانتقال من يمن الإمامة البائدة، الذي هيمنت فيه سلطة الفرد، إلى اليمن الجمهوري وسلطة الشعب لحكم نفسه بنفسه.

لكن القوى الوطنية التي قامت بالثورة لم تكن عند مستوى القدرة لفهم واستيعاب حجم التحديات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية نظرًا لظروفها وإمكاناتها حينذاك، وبالتالي عجزها عن تطويق المخاطر التي ظلت تعتري طريق اليمن الجديد، وضعفها في الحفاظ على تماسك منظومة الثورة؛ فقد استعجلت أقطابها الدخول في صراع التنافس على السلطة، وهذا ما كان له بالغ الأثر في إعاقة قيام دولة نظام وقانون بمؤسسات قوية قادرة على رعاية وحماية مكتسبات الثورة ومؤسسات الدولة كما يجب، وما نكبة 21 سبتمبر 2014م إلا نتاج لما سبق.

لكن هذا الحدث الانقلابي لا يعني هزيمة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر مهما طال أمد هيمنة ميليشياته؛ فقد أثبتت الأيام أن الانقلاب لم يكن إلا ضربة بالغة تعرضت لها الدولة في لحظة غفلة المنظومة الوطنية الغارقة بالخوض في تجاذبات إرث الصراع المتراكم والتنافس على السيطرة والسلطة، وبسبب ضعف الصفوف القيادية العليا والنخب السياسية والاجتماعية في فهم ما تشكل بالواقع وإدراك أبعاده داخلياً وخارجياً.

فعلى الرغم من أساليب القمع والإرهاب التي تمارسها الميليشيا لتثبيت سطوتها، إلا أنها لم تفلح في فرض نهجها وتوجهها في مناطق سيطرتها في ظل استمرار المقاومة والممانعة الشعبية وتزايدها بصور وأشكال منظمة وعفوية، ليتأكد بذلك مدى رسوخ قيم الثورة اليمنية وتجذرها عند غالبية اليمنيين، وأن الخنوع لسطوة الميليشيات لن يكون إلا وقفة تعثر سيتم تجاوزها قريبًا بهزيمة كل مشاريع التخلف الماضوية وتكوينات ما قبل الدولة، والانتصار لليمن الكبير وسيادة القانون والمواطنة المتساوية وعدالة الشراكة في السلطة والثروة.