الثوري – كتابات
أ/ عبدالواحد المرادي *
ثورة 26 سبتمبر المجيدة كانت حدثاً تاريخياً كبيراً وعظيما في حياة الشعب اليمني، وميلادًا جديدًا له في العصر الحديث، وفرصة أخيرة للحاق بحياة العصر رغم العثرات والمصاعب الموضوعية وتلك المستجدة من الجاهلين بالتاريخ وبحقائق الحياة بعد ذلك. وأتذكر نقاشًا جرى في السبعينات بين بعض المثقفين اليمنيين الجنوبيين بالذات حول طبيعة ثورة سبتمبر، هل هي ثورة وطنية أم ثورة ديمقراطية؟ فأقول للعزيزين الجميلين الراحلين عمر الجاوي وزكي بركات إن دولة القرون الوسطى الثيوقراطية شديدة وعميقة التخلف التي كانت في الشمال قبل سبتمبر 62 لم تكن وطنية إطلاقًا. حكامها محليون نعم، يمنيون نعم، ولكنهم كانوا يعتبرون أنفسهم أسرة مقدسة، الحكم لهم بالوراثة المزعومة، والبلاد ومن فيها شعبها ملكهم بالحق الإلهي، وهي ادعاءات ضالة باطلة دنيا ودين. ثم إنهم حاصروا البلاد في تخلف شديد قاسٍ سقيم جعلها في وضع قابلية للاستعمار حسب وصف المرحوم مالك بن نبي. ثم إنهم ربطوا اليمن بالاستعمار القديم والجديد وتعايشوا وتساكنوا معه في الجوهر. بينما بعد سبتمبر 62 بعام واحد قامت جبهة تحرير الجنوب اليمني المحتل، وبعد أربع سنوات أخرى طردت بريطانيا من جنوب اليمن. ورأيي الشخصي أنها ثورة وطنية ديمقراطية معًا، وأنها أعادت للشعب حقه في دولته، فوطنتها للشعب كله وحقه في مواطنة متساوية مع مدعي التميز السلالي والأحقية بامتلاك البلاد.
وكم أعجبني التعبير المكثف والشعري لهذا الفهم في تعبير الأخ العزيز الحليم الدكتور إبراهيم إسماعيل الكبسي حينما قال ما معناه: إن ثورة سبتمبر للشعب اليمني أهم يوم في التاريخ بعد فتح مكة. ما أجمله من تعبير وما أجملها من صورة مكثفة للانتقال التاريخي من حال إلى حال بديل أخرج الناس من ظلام سقيم إلى حياة جديدة أساسها حرية ومساواة للشعب كله في علاقاته بدولته وبمقدرات ومتاحات بلاده وبحياة شعوب العرب والعالم.
وأنصح الأخوة ذوي الهاشمية السياسية، وخاصة المتولين للسلطة في صنعاء اليوم، تذكروا أفعال سلفكم الهادي في تأسيس الإمامة في اليمن وما اعتورها من عقوبات شديدة القسوة لقرى وأنحاء البلاد في صعدة وما حولها، وتذكروا فظاعات عبد الله بن حمزة ضد المطرفية المستنيرة وأنصارها، نرجو الله أن يتقبلهم في الشهداء والصالحين وأمثالهم أسرى جيش الطاهريين الذين نكل بهم المطهر بن شرف الدين حيث أعدم أكثر من 1000 منهم، وأرغم زملاءهم وإخوتهم على حمل رؤوس القتلى سيرًا على الأقدام إلى صنعاء ليشاهدهم والده الإمام المتغطرس ويأمر بقتلهم بعد إخوتهم؟! وما فعله علي الوزير عامل الإمام يحيى على تعز في أوائل العشرينات في صبر وفي المقاطرة بالذات، حيث ارتكب مثل فظاعات المطهر بأبناء المقاطرة وما حولها إذ قتل نصف الأسرى وأرغم بقيتهم على حمل رؤوس قتلاهم إلى صنعاء سيرًا على الأقدام، ليتولى يحيى حميد الدين دور سلفه شرف الدين طغيانًا وكفرًا فيذبح بقية الأسرى المفجوعين بزملائهم وبأنفسهم. ربنا يتقبلهم في الشهداء والصالحين. وتذكروا أعمال المتوكل إسماعيل الذي كفر الشوافع وزعم أن الله تعالى لن يحاسبه على ما نهب منهم وفعل بهم من أفاعيل بل على ما أبقى لهم وما لم يفعل من أعمال غير صالحة رديئة. وتاريخ بمجمله لا يصلح أن يعتز به بشر أسوياء، ناهيكم عن مسلمين مؤمنين. أستغفر الله العظيم.
أما دعم غزة المجد وفلسطين فهي المشترك السياسي الوحيد بينكم وبين الشعب اليمني حتى لو كانت لها جراء المحايثات السياسية أية سلبيات. واصلوا دعم غزة وفلسطين إلى أن تُرغم إسرائيل المعتدية وأمريكا على وقف حربهما العدوانية الإجرامية على الشعب العربي الفلسطيني الكريم الحر السيد على ترابه الوطني. ولكن من يريد حقًا أن يكون وطنيًا عربيًا وأن يواجه العدوان الإسرائيلي الأمريكي على فلسطين والأمة العربية عليه أن يستند إلى سلم أهلي وتصالح وطني حقيقي في بلاده، وإلى شراكة وطنية جدية من كل قوى البلاد الأساسية الحية لتحشيد وتحفيز كل قوى وموارد المجتمع الوطنية لمواجهة الأعداء الخارجيين مهما علت وغلت وزادت التضحيات. وهذا ما تحتاجه أيضًا كل الأقطار المواجهة لإسرائيل في سوريا ولبنان والعراق والأردن ومصر وفلسطين وغيرها. وتزيد مسؤولية سلطة الأمر الواقع في صنعاء أكثر من ذلك، لأنها صعدت إلى السلطة بانقلاب أسود مضاد لثورة شعبية سلمية كانت منتصرة، وكانت قد أنتجت وثيقة حوار وطني راشدة اشتركتم في صنعها على قدم المساواة في صياغتها، خصوصًا من خلال نجمكم حينها الشهيد الدكتور أحمد شرف الدين في أفضل وأنضج مراحل ثقافته وعمره، والأخ الحكيم الصابر الصامد الأستاذ صالح هبرة. وأنتجت تلك المرحلة مشروع دستور جديد ديمقراطي توافقي للبلاد ترأس لجنة إعداده وكتابته أخ أستاذ يمني هاشمي رشيد مخضرم هو الأخ إسماعيل الوزير.
ولكن شقوتكم وانتماءكم إلى ماضٍ تعيس غلبتكم شقوتكم وذلك الانتماء للأسف الموجع… الآن، رغم كل الأحزان والآلام التي لم يكن لها مبرر، يعطيكم الشعب اليمني والتاريخ فرصة لتصحيح المسار. والمرجو أن تستمعوا إلى أصوات العقل والنصيحة من أبناء عمومتكم المستنيرين وأصواتهم مسموعة، ومن معظم أبناء الشعب اليمني الداعين إلى طريق تصالح وطني تاريخي جدي خارج المذاهب والطوائف، تعيد أمور البلاد إلى كل قواها الوطنية الحية لتصحيح المسار وإعادة بناء يمن الشراكة الوطنية والمساواة في الحقوق والواجبات، دولة قانون ومؤسسات وطنية حديثة وفق رؤية جامعة. وأمامكم رؤية الحوار الوطني مثلًا، إذا تقترحون عليها تعديلات معينة قولوها علنًا وتناقش باحترام أمام الشعب اليمني. أما استمرار الحال كما هو.. فهذه عقلية متطرفي الهواشم للقرن الثاني والثالث الهجري، لا تصلح لحياة الشعب اليمني في زماننا، خاصة بعد ما شهدته بلادنا منذ 26 سبتمبر 62 وانتصار ثورة 14 أكتوبر 63 المجيدتان من تطورات وتفاعلات وآمال، وبعد ما شهده كل العالم من تطورات وتصورات للحياة الاجتماعية والثقافية ولأنظمة الحكم في العالم المعاصر، حيث غدا العالم قرية كونية. والنتائج التي ستترتب على إصراركم على مواصلة نهج الانقسام والحرب الداخلية ساخنة أو باردة ستكونون مسؤولين عنها وحدكم أمام الله وخلقه.
والطريق المطلوب للتصالح الوطني ما قبل مبتداه وتأسيسه اليوم هو إطلاق سراح وحرية شباب سبتمبر 62، أمثال الإخوة محمد المياحي وسحر الخولاني وزملائهم، وكذلك كل من اعتُقلوا بسبب إكراهاتكم للناس حول المولد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم. وقد قال لكم الله جل جلاله: “لا إكراه في الدين”. في الدين كله، فلماذا تكرهون الناس وتقهرونهم على احتفالكم بالمولد، وهو ليس دينًا ولا واجبًا وطنيًا دستوريًا، ومجرد اجتهاد واحتفال فيه أقوال وآراء بين المسلمين ما أكثرها؟ ادعوا إلى آرائكم بالحسنى، وكل وسائل الإعلام وموارد البلاد المادية ما أكثرها بين أيديكم، واحترموا آراء وخيارات إخوانكم مواطنيكم الذين ليسوا أقل منكم في شيء سوى أنكم سلطة أمر واقع تستخدمونها خطأ وتعسفًا لقهر مواطنيكم. لقد كرم الله بني آدم بالخلق، وأنتم تهينون الناس عبثًا ودون وجه حق. صلوا على النبي واذكروا الله وارعووا. أما طريق التصالح الوطني فهو كبير ومعروف. وقد قلت عنه هنا بعض شيء لمن لديه حسن إرادة وتعقل، والله المستعان وهو العالم بالسرائر في كل حال.
وفي عيد 26 سبتمبر 62 وعيد 14 أكتوبر القريب، كل التحية والاحترام للشعب اليمني الصابر الصامد في الشمال وفي الجنوب، ولذكرى الشهداء الأبطال الذين ندين لهم بعد الله بأجمل ما في حياتنا من آمال، والله المستعان لهم وللأحياء المكافحين وخير سند.
*عضو المكتب السياسي للحزب الاشتراكي اليمني