“الثوري”- ثقافة:
أ. د. أحمد قايد الصايدي
مالي أرى في ناظريكَ تساؤلاً
يخفي التعجُّبَ والظُّنونْ ؟!!
لمَ تعجبنَّ إذا بدت في هيئتي سمةُ الجنونْ ؟!!
أفلا أُجنُّ ؟!!
وقد شقيتُ بحملِ عقلٍ متعبٍ عبر السنينْ
قلقٍ يقاوم أن يطوَّعَ أو يلينْ
متأفِّفٍ من كلِّ سوءٍ حولَهُ
مترفِّع في عزَّةٍ عمَّا يُشينْ
** ** **
هلاَّ عجبتَ من الأُلى
أمضوا الحياةَ مطأطئينَ منكِّسينْ ؟
يُرمى لهم بعضُ الفتاتِ
وبعضُ ما عافت نفوسُ الحاكمينْ
كم يفرحونَ ويزدهونْ
يتنافسونْ
يتسابقونْ
كلٌّ يحاولُ أن يفوقَ الآخرينْ
في حمل أوزارِ الطُّغاةِ العابثينْ
أفلا يروعك ما ترى ؟
أفلا ترى
أنِّي إمرُؤٌ لا ينتمي للأسوياءْ
إن لم أُجنْ ؟
** ** **
هذي الحياةُ كما ترى
تمضي حثيثاً نحو حافاتِ السقوطْ
ملآى بأصواتِ الجياعِ
وقهقهاتِ المترفينْ
صخبٌ يصمُّ السَّمعَ
يختلط العويلُ بزغرداتِ المنتشينْ
صخبٌ يصمُّ السَّمعَ
يسحقُ كلَّ ذي عقلٍ رزينْ
أفلا أُجنُّ ؟
وهل أطيقُ سوى الجنونْ؟!!
** ** **
حلِّق على متن السحابِ
كما النُّسور العاليةْ
واصعد بحلمكَ عالياً
نحو النُّجومِ النَّائيةْ
واصنع من الأوهامِ أبراجاً
وجنَّاتٍ وأنهاراً وأثماراً
وفاكهةً … قطوفاً دانيةْ
ما أنتَ إلاَّ واحدٌ مثلي
نعيشُ معاً
عصراً تأمرك كلُّه وتصهينا
وبدا الرِّجالُ كما القيانِ
تميُّعاً وتبهرجاً وتزيُّنا
وغدا الأبيُّ ملاحقاً في دارهِ
ومضى الوضيعُ مفاخراً
متبختراً متفرعنا
ما أنتَ إلاَّ واحدٌ مثلي
نهيمُ على سطحِ الحياةِ الحاضرةْ
كلُّ الخيوطِ تقطَّعت
بشوامخِ المجدِ القديمِ الغابرةْ
لم يبقَ من ذاك الزمانِ سوى حكايا
ذهب الرِّجالُ الشامخونَ
وخلَّفوا هذي البقايا
تيجانُها قشٌّ
وأوسمةٌ كزيناتِ الصبايا
البعضُ منهم خائرٌ
والآخرون تراهمُ فقدوا وجولتَهم
وغدوا مطايا
أفلا أُجنُّ،
وهذه الدنيا رزايا في رزايا ؟!!
** ** **
علِّقْ على بابي زهورَ الياسمينْ
وانثرْ عطورَ المسكِ
والكاذي وفلَّ العاشقينْ
واعزفْ على الأوتارِ
ألحاناً تريحُ المتعبينْ
واسردْ عن الماضي حكاياتٍ
تثيرُ الفخرَ في القلبِ الحزينْ
وانظرْ إلى الآتي
بعينِ الحالمينْ
وارسمْ على الأفقِ البعيدِ
مشاعلَ النَّصرِ المبينْ
ما أنتَ غير مكابرٍ تهوى المُحالْ
تمضي على دربٍ سرابٍ
سابحاً فوق الخيالْ
متدثِّراً بالوهمِ
يلتبسُ الزمانُ بناظريكْ
مترنِّماً بالأمسِ مختالاً
وتوغلُ في المسيرْ
متغافلاً
أو غافلاً عمَّا يصيرْ
أُنظرْ
ترى ما نحنُ فيهْ
لا شيءَ غير البؤسِ
والحكَّامِ والتفريطِ والتَّدميرِ والتَّجويع والتَّجهيلِ
والذلِّ المقيمْ
أفلا أُجنُّ ؟!!
أفلا تُجَنُّ كما أُجنْ؟!!
** ** **
دعْ عنك أحلامَ النيامِ وثرثراتِ العاجزينْ
ما نحن غير عشيرةٍ
تركت سنامَ المجدِ
والعزَّ المبينْ
ورضت بأن تحيا حياةَ الميِّتينْ
حكَّامُها وجيوشُها خدمٌ لجند الغاصبينْ
يستأسدون على بني أوطانهمْ
وأرانبٌ عند الخصومِ مدجَّنينْ
يا ويحنا ضقنا بهمْ
ضاقت بنا أيّامُنا من قبحِهمْ
وتعاظمت أوجاعُنا من ظلمِهمْ
وتضاءلت أحلامُنا من جبنِهمْ
وتعطَّلت قدراتُنا
عن أن نجيبَ على سؤالٍ حائرٍ في العقلِ
ينتظرُ الجوابْ :
أترى نكونْ ؟
إن لم نُزِلْ أوهامَنا
أترى نكونْ ؟
إن لم نقاومْ جهلَنا
أترى نكونْ ؟
إن لم نولِّ خيارَنا
أترى نكونْ ؟
إن لم نصدْ بصدورنا موجَ الغزاةِ
ونتَّقي طوفانَهم بعقولنا وسلاحنا،
أترى نكونْ ؟
إن لم نمزِّقْ ليلَنا
إن لم نفجِّرْ من أسى أيّامنا قلبَ السكونْ
أترى نكونْ ؟
لا لن نكونَ … ولن نكونْ،
إن لم ندمِّرْ كلَّ أنواعِ الشرورِ
وكلَّ أضرابِ الجنونْ.
صنعاء، مايو 2004م