“الثوري”- كتب / عدنان حجر:
في سبعينيات القرن الماضي شهدت محافظة الحديدة كوكبة من المناضلات في المجال التربوي والسياسي والحزبي والنقابي وقضايا المرأة، من بينهن الاستاذة فطوم زيدان والأستاذة مبروكة حامد وأم السعد عبد الحي وآسيا شحمه وحليمه زيدان وعمره قروش وأمينة رشيد والدكتورة طيبة بركات من الحزب الديمقراطي الثوري وصفيه معجم من الحزب الناصري وخديجة دلال مستقله وأخريات جميعهن قارعنا وواجهنا الظلم والفساد والاستبداد وتعرضنا لصنوف التعذيب والتعسف والاعتقالات والملاحقات. وفي هذا التقرير سنسلط الضوء على ما تيسر من السيرة الوطنية النضالية للراحلة فطوم زيدان. ( رحمها الله ).
المناضلة التهامية الوطنية الراحلة الاستاذة / فطوم محمد الامين عبدالله زيدان (رحمها الله) , ولدت في 1953م , حصلت على التعليم الأساسي ودبلوم معلمات وثانوية عامة قسم علمي ودبلوم محاسبة. وعملت في القطاع التربوي مدرسة ووكيلة إدارة مدرسية ومديرة إدارة مدرسية, كما عملت في البنك المركزي بالحديدة موظفة على الآلات ومدربة عليها ورئيسة قسم الموازنة ومسؤولة الارشيف ورئيسة نقابة عمال وموظفي البنك وعضوة نقابة عمال الجمهورية وقيادية في جمعية المرأة اليمنية في شمال الوطن قبل قيام الجمهورية اليمنية , وعضوة في الحزب الديموقراطي الثوري والحزب الاشتراكي اليمني وعضوة في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بالحديدة, وشاركت في سفينة السلام ضد العدوان الأمريكي على العراق وشاركت في ثورة فبراير2011م ..ومشاركات أخرى في العديد من الفعاليات ..وتوفت رحمها الله في 27 يناير2020م تاركت خلفها سيرة عطرة وسجل حافل بالنضال الوطني والعطاء الانساني ومقارعة الظلم والفساد والاستبداد والدفاع عن الحقوق والحريات ومناصرة المرأة ودعمها ومساندتها..
فطوم وبيت النضال الوطني.
لم تكن ولادة المناضلة فطوم زيدان مجرد ولادة، بل ولدت في بيت تهامي عرف عنه ببيت النضال الوطني في تهامة ذكور وإناث وهو بيت (زيدان)، فوالدها (محمد الامين عبد الله زيدان) كان عالما ومناضلا من المناضلين المؤيدين للقومية العربية بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر. وإخوتها السفير احمد آمين زيدان والأستاذة مكية والأستاذة تقية والطيار عبد الملك زيدان ويحيى الامين زيدان (استاذي وتاج راسي حفظه الله واطال بعمره) وعبدالاله زيدان والأستاذة حليمة والأستاذة عائشة الامين زيدان. أسرة جميعهم كانوا من أوائل المنتميين للحزب الديموقراطي الثوري ومن بعده الحزب الاشتراكي اليمني.. جميعهم ومن بعدهم من الأبناء والأحفاد كانوا ولايزالون يمثلون بيتا نضاليا موحدا وجبهة وطنية متميزة ومتفردة. لذلك جاءت فطوم من رحم النضال وطينة الشجاعة والصمود.. فكان كفاحها وكانت تضحياتها من اجل الحق والعدل والمساواة والوطن الموحد.. وكانت سيرتها العطرة وكانت مسيرتها التي تستحق الانصاف..
فطوم وميولها النضالية المبكرة
منذ سن مبكرة في حياتها بدأت ميولها النضالية والثقافية، وبدأت تنمو معها قيم الحرية والحق والجمال وبدأت تسكن روحها الايمان بثورات الشعوب ضد الظلم والاستبداد وحق الشعوب في الديموقراطية والمواطنة المتساوية معتمدة على لغة الاحرار بالفكر الثوري العلمي المستنير، فكانت شديدة الاطلاع والشغف بالقراءة ومعظم يومها كانت تقضيه في قراءة الكتب التي كانت تزهر بها مكتبة والدها، كما كانت تستمع وترقص على اناشيد صوت العرب للمطربين الاحرار العرب طرب الثورة والحرية والكفاح.. من وقت مبكر قرات للمنفلوطي وطه حسين.. وعديد من قامات الفكر والثقافة والسياسة والادب..
تفوق تعليمي رغم المعوقات
كانت مسيرتها التعليمية مليئة بالظروف والمعوقات، منها ما يتعلق بحصار السبعين والظروف السياسية آنذاك ومغادرة الأسرة برفقة والدهم إلى مدينة صبية بالسعودية عند اخوالهم، ومنها ما يتعلق بظروف الأسرة بعد عودتهم إلى الحديدة في 1972م.. غير أن عزيمتها وإصرارها على التعليم كان قويا وكانت من المتفوقات دراسيا والمتصدرات المراكز المتقدمة على زميلاتها.. حصلت على الشهادة الابتدائية والإعدادية (الأساسية حاليا). وشهادة دبلوم معلمات بالشهادة الاساسية (الإعدادية سابقا) والثانوية قسم علمي ودبلوم محاسبة وكانت تحلم بدراسة طب بشري لتصبح طبيبة بشرية، لكن ظروفا خارجة عن ارادتها حالت دون ذلك..
فطوم الإنسانة النبيلة
في الذكرى السنوية الثانية لرحيلها تذكرها الصحفي الاستاذ/ مصطفى بدير قائلا : نتذكرها بكل إجلال وتقدير بمواقفها الإنسانية النبيلة والمبادئ والقيم والمثل العليا التي تربت عليها .فهي من أسرة عريقة في النضال الوطني تنتمي إلى الحزب الديموقراطي الثوري ( الحزب الاشتراكي اليمني ).وقفت مناصرة وداعمة لكل قضايا المرأة في الحياة العملية وشجعت وساندت كل من يحتاج لها ولم تدر يوما وجهها عن أي محتاج بل كانت تسعى في الوصول إليهم ومساعدتهم بكل صدق وإخلاص وتشهد لها مواقف كثيرة في هذا المجال واياديها البيضاء التي قدمت العون والمساعدة دون أي من يذكر.. تعرضت في حياتها للعديد من المضايقات في مجالات عملها رغبة منها في العيش براحة واستقرار أقدمت على التقاعد المبكر بل كانت تعبر عن ارتياحها أمام راحة البال والنفس. تلك هي المناضلة الاشتراكية الجسورة فطوم امين زيدان. لروحها الطاهرة الرحمة والمغفرة والرضوان..
تربوية ضد الفساد التربوي
في1973م عملت مدرسة بمدرسة التعاون بالحديدة ثم وكيلة مدرسة خولة ثم مديرة لمدرسة التعاون..وأثناء عملها مديرة للتعاون واجهت العديد من المعوقات التي كانت تحول دون القيام بواجبها التربوي والإداري الصحيح , ومن أبرز مواقف تلك المعوقات , أنها رفضت توجيه مدير التربية باعتماد كشف حضور مدرسات المدرسة , والكشف فيه معلمات غير متواجدات غائبات ومنقطعات عن العمل, وخيرت بين التوقيع أو تقديم استقالتها من الإدارة.. ولأن ذلك يتعارض مع مبادئها وايمانها بالالتزام والانضباط وضد التمييز والمجاملة واقوى من الضغوط، فقدمت استقالتها من إدارة المدرسة ومن الوظيفة التربوية وانتقلت إلى العمل في البنك المركزي اليمني بالحديدة 1977م.
فطوم النقابية الشجاعة
عندما خيرت بين التوقيع أو تقديم استقالتها من الإدارة.. ولأن ذلك يتعارض مع مبادئها وايمانها بالالتزام والانضباط وضد التمييز والمجاملة واقوى من الضغوط، فقدمت استقالتها من إدارة المدرسة ومن الوظيفة التربوية وانتقلت إلى العمل في البنك المركزي اليمني بالحديدة 1977م..عامله على الآلات ومدربه لكل موظف جديد عليها. ثم رئيسة قسم الموازنة.. وبسبب رفضها رشاوي المقاولين تامر عليها بعض من زملائها.. ووضعوا لها الكثير من المقالب والمواقف العدائية غير انها انتصرت عليهم ثم نقلت للأرشيف. ومن الارشيف الى رئيسة نقابة البنك المركزي فرع الحديدة وعضوة نقابة عمال الجمهورية. وفي نقابة البنك المركزي ناضلت عماليا ومكنت زملائها من الحصول على كافة حقوقهم الوظيفية والعمالية ومكنتهم من الحصول على أراضي سكنيه.. وامام إنجازاتها وانتزاعها لحقوق زملائها حاول بعض التجار الاستيلاء على أراضي زملائها، لكنها كنقابية واجهت هذه المحاولات بالرفض والمواجهة بالشجاعة والصمود والتحدي، وفشل المتنفذون من تحقيق مآربهم، لكنهم لم يتركوها وشأنها فقرروا التخلص منها فحاولوا اغتيالها برصاص الجبناء, غير أنها نجت من هذه المحاولة وكتب الله لها الحياة..
فطوم الوطنية الاشتراكية الماركسية
نعى رحيلها الاستاذ عبدالباري طاهر ومما جاء في نعيه قوله : فقدت الحديدة واليمن كلها المناضلة التربوية والمناضلة الوطنية, المدافعة عن الحريات والحقوق الأستاذة فطوم محمد الأمين زيدان( رحمها الله ).تعرضت للتهديد بالفصل من البنك المركزي بعد حملات التطهير ضد اليسار الماركسي والقومي في السبعينات والثمانينات على يد الأجهزة الأمنية. وكانت فاطمة زيدان من القيادات النسوية البارزات إلى جانب الدكتورة طيبة بركات وأمينة الرشيد وعشرات غيرهن. دافعت فاطمة عن الحريات العامة والديمقراطية، ووقفت ضد الفساد والاستبداد، وكانت في قلب العمل الحزبي السري في الحزب الاشتراكي وقبلها في الحزب الديمقراطي الثوري. كان إخوانها السفير أحمد أمين زيدان ويحيى وعبد الإله من أوائل المنتمين للحزب الديمقراطي الثوري ثم الحزب الاشتراكي، وتعرضوا للاعتقالات المتكررة والعسف، وقد نالها وأسرتها الكثير من القمع والاضطهاد..
فطوم والمرأة التهامية
تعد الاستاذة فطوم زيدان من القيادات النسوية البارزة في الحديدة واليمن بعامة، وفي إطار الحزب الديموقراطي الثوري ساهمت فطوم زيدان جنبا إلى جنب مع الأستاذة مبروكة حامد وأم السعد عبد الحي وآسيا شحمه وحليمه زيدان وعمره قروش وأمينة رشيد والدكتورة طيبة بركات من الحزب الديمقراطي الثوري وصفيه معجم من الحزب الناصري وخديجة دلال مستقله وأخريات وشكلوا مجتمعات بذرة نواة لجمعية المرأة.. وجميعهن قارعنا وواجهنا الظلم والفساد والاستبداد وتعرضنا لصنوف التعذيب والتعسف والاعتقالات والملاحقات. وفي عهد الرئيس الشهيد / إبراهيم محمد الحمدي سمح بوجود جمعيات نسوية فكانت فطوم اول رئيسة أو نائبة للجمعية.. وفي جمعية المرآه ناضلت فطوم مع زميلاتها وتمكنوا من فتح فصول لمحو الأمية للكبار وتولت هي وزميلاتها قضايا النساء ومساعدتهن لشق طريقهن في الاعتماد على أنفسهن بتعليمهن علوم حرفية. وفي عهد نظام صالح. اغلقت الجمعية تحت ضغط الاستاذ محمد العديني واخرين تحت ذريعة أنها تنشر الشيوعية..
فطوم أديبة وثائرة حرة
كما تعد فطوم عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ومسؤولة مالية سابقة في الاتحاد، وفي مسيرتها النضالية في هذه المؤسسة الجماهيرية الإبداعية كانت قريبة من عديد من كبار المفكرين والادباء ومنهم على سبيل الذكر لا الحصر، الفقيد الاديب/إبراهيم صادق ويوسف الشحاري وجابر الشراخ وطيبة بركات، وكانت حينها المسؤولة المالية للاتحاد.. وكان لي شرف مزاملتها ومرافقتها مسيرتها النضالية في الحزب الاشتراكي اليمني واتحاد الادباء والكتاب اليمنيين بالحديدة. كما تعد من أول الثائرين ضد تدخل الأمريكان في العراق وشاركت في سفينة السلام 1991م مع عديد من النساء من عديد من الدول العربية. مجسدة معنى الشجاعة والصبر لرسل السلام. وقد قيل عنها وعن النساء المشاركات “هؤلاء هن نساء العرب فكيف برجالهم”. كما كانت من اوائل المشاركات في ثورة فبراير2011 م بساحة التغيير في الحديدة، وهي الثورة التي كانت مناضلتنا تكرر وتصرخ (الإصلاح سرق الثورة – الاصلاح يتحكم في الثورة).. وكانت تدعو للتصدي للإصلاحيات في النقاشات الدينية وتخطئهن كما كانت تلقي المحاضرات على المنصة وتشارك بالمظاهرات ضد مسؤولي المحافظة وتأخذ القنابل الدخانية وتقوم بدفنها،، وقد تعرضت في هذه الاثناء لمحاولة اغتيال بصدمها بسيارة ألقتها على الرصيف ولم تصاب ..
الخاتمة العذر والفاتحة
في ختام تقريري المتواضع عن المناضلة الوطنية فطوم زيدان في الذكرى السنوية الثانية لرحيلها في ال 27 من يناير2022م. اطلب من بيت المناضلين ال زيدان، التماس العذر لي، عن اي تقصير او خطا كتابي او معلوماتي ورد في تقريري، داعيا الجميع إلى قراءة الفاتحة على روحها الطاهرة.. (رحمها الله واسكنها فسيح جناته)..
* نشرت المادة على موقع تهامة ٢٤