الثوري – كتابات
مروان الغفوري
يرى مايلس يو، المتخصص في الشؤون الاستراتيجية الصينية، في مقالته المنشورة على واشنطن تايمز، نوفمبر 2023، أن معاداة السامية في الصين ليست حدثًا طارئًا؛ بل هي تملك جذورًا قومية وإيديولوجية عميقة. تمثّل كتابات كارل ماركس النواة الإيديولوجية للحزب الشيوعي الصيني، وهي كتابة عامرة بمعاداة السامية. يحيل “يو” في مقاربته إلى الكتيّب الذي أصدره ماركس في العام 1844 تحت عنوان “السؤال اليهودي”، في تلك المرافعة المكثفة يجادل ماركس قائلًا إن اليهودية مشكلة بنيوية في أوروبا، وإن على القارة أن تخلّص نفسها من “ديانة اليهود الحقيقية”. والمال -في مواصلة ماركس جدله- هو إله اليهود الغيور الذي لا يقبل إلهًا آخرَ إلى جانبه. ولأن الماركسية هي الأيديولوجية العميقة للحزب الشيوعي الصيني؛ فليس من المستغرب أن تُعبر معاداة السامية عن نفسها من وقت إلى آخر.
حتى ما قبل السابع من أكتوبر من العام الماضي، لم تكن مسألة معاداة السامية مطروحة حين يشار إلى الصين برغم وفرة الشواهد. خلافًا لذلك، لطالما أشير إلى الصين بوصفها مكانًا لمحبة السامية Philosemitism؛ فاليهودي في الخيال الصيني الشعبي هو أذكى رجل في العالم، مجتهد، ومحب للسلام. على الأقل هذا ما تبدو عليه الادعاءات التي قدّمها يوفال واينريب، الباحث الإسرائيلي المتخصص في العلاقات الإسرائيلية-الصينية؛ في لقائه مع صحيفة هآرتس منتصف يونيو الماضي.
اعتاد قادة البلدين على الحديث عن العلاقة المتينة بينهما، وبلغ الحد بنتنياهو أن قال مطلع العام 2017 إن العلاقة الصينية-الإسرائيلية زواج كُتب في السماء، كما نقلت مجلة “ذا دبلومات” في حينه. لنعُد إلى مصدر التيار؛ فالديانة اليهودية لا تنتمي إلى الأديان المعترف بها في الصين، كما أن لدى الصينيين سرديتهم القومية التي تضع اليهود في قائمة الأعداء الذين أدخلوا الصين في “قرن الإذلال”، كما سنوضح فيما بعد.
الحرب على غزة، وتفاعلاتها على منصات التواصل الاجتماعي، أتاحت لمواطني إسرائيل الفرصة لرؤية الصورة التي رسمت لهم خارج أسوار الغرب؛ حيث يعيش 88% من سكان الأرض. الصورة القادمة من الصين دفعت 54% من مواطني إسرائيل إلى القول بأنها بلاد معادية لإسرائيل أو غير صديقة لها، وفقًا للاستطلاع الذي أجراه معهد الدراسات الأمنية INSS التابع لجامعة تل أبيب في أبريل الماضي. وبحسب الاستطلاع نفسه فإن 2% فقط من الإسرائيليين قالوا إن الصين حليفة لإسرائيل. هذه البيانات لا تقرّبنا من صورة “زواج كُتب في السماء”، كما ادّعى نتنياهو.
تبدو الأمور أكثر تعقيدًا مما تخيله واينروب؛ فمنذ العام 2007 يذهب الصينيون إلى منافذ بيع الكتب لشراء الكتاب المتسلسل”حروب العملة Currency Wars” بأجزائه الأربعة، الكتاب الذي نال إعجاب السياسيين والحزبيين في الصين يبني نتائجه على فرضية تقول إن اليهود يملكون الثروة في أوروبا وأميركا، ويتحكمون بالقارتين وفقًا لمصالحهم. السياسة الخارجية للغرب، كالسياسة المالية، ليست سوى نشاط يهودي خالص، وفقًا لصاحب الكتاب سونغ هونبينغ. يحاول الكتاب بناء أساس علمي للفرضية القائلة بأن الحرب الاقتصادية الدائرة بين أميركا والصين، هي في نهاية الأمر مواجهة بين الصين الشعبية والأثرياء اليهود. ثمة الكثير من المواد المقروءة والمرئية لساسة من الصين يبدون إعجابهم الجمّ بالكتاب شكلًا ومضمونًا.
في مواجهة إصرار الغرب على شيطنة نظام الحكم في الصين، على المستويات الأكاديمية والسياسية والحقوقية، وجد النظام الصيني في مسألة الحرب على غزة ذريعة لتفادي الهجوم، وفرصة هادئة لإعادة شرح بعض الأمور إلى شعبه. الديموقراطية الغربية؛ سواء تعلق الأمر بحرية التعبير أو ببنية نظام الحكم، فذلك مجرد خداع بصري؛ إذ إن حقيقة الأمور تبدو على شكل مختلف؛ فاليهود بما يملكونه من الدهاء والمال، هم من يديرون كل شيء من وراء الستار، وفي نهاية المطاف لا يتبقى من الديموقراطية سوى هياكل وهمية.
تأخذ السردية الصينية هذا المنحى وتعزّزه خطابيًا على المستويين الداخلي والخارجي. على الجانب الآخر، تؤكد السردية أن الصين بلدٌ يديره نظام وطني يدرك مصالح شعبه ويرعاها متحرّرًا من نفوذ القوى العابرة للحدود، تأخذ الديموقراطية شكل حصان طراودة الذي يتيح للأغراب السيطرة على البلدان، بينما يأخذ نظام الحكم الشيوعي العلامة الكاملة بحسبانه وطنيًّا نزيهًا ولا يمكن شراؤه من قبل الأغراب. إن الديموقراطية الغربية وفقًا لهذه السردية، هي أفضل نظام يمكن شراؤه بالمال.
يستكمل..
من صفحة الكاتب على منصة أكس