آخر الأخبار

spot_img

الدلالة التعبيرية في موضوعات الفنان هاشم علي

الدلالة التعبيرية في موضوعات الفنان هاشم علي(*)

الثوري نت – ثقافة/

د. حمود ناجي الضبياني

يعتبر الفنان (هاشم علي) مرحلة هامة في تاريخ الفن التشكيلي اليمني بشكل عام، فهو مؤسس للفن التشكيلي اليمني المعاصر بلا منازع، ففي بداية مشواره الفني غلبت عليه الروح التجريبية في طبيعة العملية التشكيلية الغنية بقدر كبير من التنوع والثراء بمظاهر التراث الشعبي.

حيث “أنجز العديد من اللوحات التي يتداخل فيها الأسلوبان المدرسي والواقعي، وتحول بعد ذلك إلى التعبير ضمن اتجاهات حديثة كالتكعيبية والتعبيرية والتجريدية، إلا أنه أخذ يتراجع باتجاه المنحى الواقعي إلى الواقع المادي دونما مباشرة أو نقل حرفي، حيث أضحى تكوين لوحاته يعتمد لغة التشكيل من جزيئات المحيط الخارجي، وليس استلاب تلك الجزيئات وانتزاع صورتها كما هي إلى داخل اللوحة. “(1) “.

 

وإن المتأمل للوحات هاشم القديمة في فترة الستينات والسبعينات يجد قوة في الموضوع وخللاً في التقنية والرسم، وهنا ركز على الموضوع كأفكار قوية ومواضيع صعبة مع اهتزاز واضح في التقنية وبانتقاله إلى التعبيرية ازداد الموضوع رصانة عبر تكوينات مملوءة بالحركة الانطباعية الملونة”. (2).

ولقد ركز الفنان هاشم في بداية مشواره الفني بالحضور القوى لعناصر تراثية تمثلت في البيئة اليمنية التي شملت المنظر الطبيعي والعمارة والتكوينات لرسم الإنسان بأزيائه والملامح الشخصية ذات التعابير في وجوه شخوصه الذين يختزلهم شكلياً ويحركهم لونياً مستعملاً الألوان القاتمة، ولهذا فإن التفاصيل الواقعية في أعماله في بداية مشواره تصبح تصميماً لعالمه الخاص، تجلى في إعادة تشكيلية من مفردات المحسوس، ولكن دون أن يتقيد بتركيب وبناء الشكل ضمن إطار الحقيقة البصرية، بل العكس إذ إنه اعتمد إلغاء القياسات الشكلية المتعارف عليها، ولجأ إلى معاييره الذاتية التي منها حقق حضور عالم لا مرئي. لكن التمثيل المادي موجود وطريقة عرضه لا تجعل منه هدفاً في حد ذاته.

أما من حيث أسلوبه الذي بدأ بالواقعية القريبة لوناً للانطباعية نجد أن الفنان حرص على انتزاع صور من الطبيعة، والحياة اليومية بطريقة شخصية تغلب عليها مسحة انطباعية أحياناً وتعبيرية أحياناً أخرى، منطلقاً بذلك من واقعية شاعرية، تلتقط مفردات الواقع ثم تحملها دلالات شاعرية تخفف من واقعيتها المفرطة، وكان ذلك تجسيداً لإيمانه بالفن الذي يعبر عن واقع المجتمع بثقافته المادية وغبر المادية.

أما المعالجة (اللونية والتقنية)(3) في كل تجارب الفنان فتبرز ذلك في خلق الموضوعات ومعالجتها، فأعماله محتفية باللون كعنصر أساسي إلى جانب التركيز على دلالاته التعبيرية من منطلق رمزي. كما يعمل على الحد من طغيان حسية الأشياء، ليؤكد بذلك أبعاده الفلسفية والرؤية التي تبحث عن معان مطلقة من خلال إعادة الأشياء، ومحافظاً من خلاله على الإيقاع الحركي الذي يجعل العين تنتقل في جزيئات اللوحة من خلال ضربات الفرشاة واهتزازات اللون وتوزيع للتدرجات اللونية بهارمونية عالية.

كما في لوحته(4) جامع الأشرفية بمدينة تعز التي مزج فيها الفنان انطباعه باللون الصارخ والميسور والمختزل والتعبير به أيضا موظفاً ومستلهماً ذلك المعلم التراثي والتاريخي بعمل فني إبداعي.

 

لوحة 4 جامع الأشرفية

والملاحظ في تجربته ذات الاتجاه التعبيري يستمد موضوعاته من التراث الأدبي والحياة الاجتماعية والبيئية، فنلاحظ في لوحته(5) (مخزن القات وشارب الأرجيلة)

لوحة 5 (مخزن القات وشارب الأرجيلة)

التي يتسم تكوينها بقالب صوفي على الشكل الساكن بنزوعه نحو الحركة اللامادية النابعة من عوالمه الروحية ومن رؤيته وفلسفته العميقة نحو التراث من عادات وتقاليد، يهدف إلى التعبير بتجاوز المعنى التقليدي للتعبير عن العادات والممارسات المتوارثة في المجتمع قيماً وقياسات جمالية في نسق مع المضمون الأدبي والفكرة الفلسفية، فالفنان حاول بنزوعه إلى التشخيص التعبيري بأسلوب يقارب الكاريكاتور بالنسبة لتفاصيل وتموضع الشخص وحركته مع تموضع الأرجيلة ذات الخط المائل من شدة امتصاص وشرب الدخان، ليبرز بذلك حالة النشوى والراحة بذلك من خلال اللون المتضاد والصارخ.

يمكننا القول أن تجارب الفنان هاشم علي تميزت بما يلي:

1- التميز والخصوصية في استلهام الكثير من عناصر التراث المادي وغير المادي خلال مسيرته وتجاربه الفنية التي أثرت على المشهد التشكيلي اليمني إلى جانب ثقافته الموسوعية التي جعلت منه رمزاً ثقافياً لازال تأثيره إلى الآن وسيستمر للأجيال القادمة.

2- تجاربه تتفق مع انتظام رؤيته للفن كملائمة بين الواقع والانطباع التعبيري لمواضيعه المستمدة من التراث اليمني من أعمال تشخيصية، وطبيعة، ومناظر بيئية، ومشاهد يومية، ومهن شعبية، وحكايات وأساطير ذات الطابع اليمني الخالص، وتمثيلها فنياً بشكل صادق وإنساني محتج أو معترض، أي أن الفنان كرس نفسه ببحثه الدائم عن جماليات التراث المتجاوزة للواقع المعاش وجعلها مصدر إلهام لأعماله. أيضاً لا يمكن إغفال مدارس فنية عديدة تتداخل في أعماله، لكنها تصطبغ في الأخير بأسلوب الفنان وتعامله الذكي في أعماله دون أن يلغي صبغته اللونية الخاصة، وطريقة معالجته وفلسفته في بناء تكويناته داخل اللوحة.

3- تعتبر مواضيعه تسجيلية فالفنان يعمل على أرشفة العادات والحياة اليومية التي يعيشها الإنسان في المدينة والريف اليمني والفنون المعمارية التراثية ويلاحظ هنا التفجر اللوني العالي والمهارات الفائقة في خلق الموضوعات ومعالجتها الأسلوبية، حيث اللون هو العنصر الأساسي في العمل إلى جانب التركيز على التعبيرية لمفرداته موضوعاته التراثية من منطلق رمزي مما يعمل على الموازنة بين الذات والموضوع، والأسلوب والمضمون، والواقع والفن بشكل أساسي.

 

——————

* هاشم علي عبد الله الدويلة- مواليد (1945م)- فنان عصامي علم نفسه بنفسه، اعتمد على نفسه وعلى قراءته الدائمة لتكوين رؤيا متقرباً من المشهد اليومي للإنسان البسيط، واختزل قصة الإنسان عبر سلسلة من اللوحات كانت تتغير ألوانها، ويبقى الموضوع حاضراً أزلياً. يعد من مؤسسي حركة الفن التشكيلي المعاصر في اليمن، فهو يحمل تجربة طويلة امتدت عبر عقود، مشكلة تنوع وغني ومستمر وتأثير واضح على الأجيال من الفنانين, وفي عام 1989م حصل على وسام الآدب والفنون من الدرجة الأولى، كما حصل على وسام صنعاء الذهبي، درس على يديه العديد من الفنانين التشكيليين اليمنيين، له ست مشاركات خارجية، وسبعة عشر معرض شخصي أولها 1967م.

كتالوج: (هاشم علي الدمعة الكبيرة)، بيت الثقافة_ صنعاء، أغسطس، 2004م. يعد أخر معرص تشكيلي شخصي له عام 2004م. ببيت الثقافة بصنعاء حيث تم تكريمه بأعلى أوسمة الدولة للثقافة والفنون، كان رحيله في العام 2008م بمدينة تعز.

1) آمنه النصيري، مقامات اللون، مقالات ورؤى في الفن البصري، وزارة الثقافة والسياحة، صنعاء، 2004م، ص. 23.

2) حكيم العاقل، دراسة (الحركة التشكيلية اليمنية) مجلة الكتاب الثقافية، ع 2، الهيئة العامة للكتاب، صنعاء، 2005م، ص.88.

3) لم يعتمد الفنان على الرسم التقليدي “بل اتجه إلى أسلوب الصياغة الجمالية التي تعتمد على تعريف الفن مستعملاً اللون في الطرح، وحوله إلى رمزٍ دلالي مبدع في صيغة محكمة، وهذا يكمن في حالة الصفاء الداخلي الذي ينبع من اتزان عقلاني وليس مجرد انفعال أين تحكمه اللحظات العابرة”. حكيم العاقل: الندوة الدولية الموازية لملتقى صنعاء الدولي للفنون التشكيلية، وزارة الثقافة، صنعاء، 2009م، ص.187.

4) كتالوج معرضه الشخصي بعنوان (هاشم علي الدمعة الكبيرة)، بيت الثقافة_ صنعاء، أغسطس، 2004م. 

5) نفس المرجع.